نشر سابقا بجريدة "النهج الديمقراطي" العدد 187، نونبر 2014
بادية
المغرب، ضحية التهميش
سياسات
الدولة، مسكنات بدون أفق
-على فقير-
يعيش سكان البادية المغربية هشاشة مطلقة، مما اضطر الملايين منهم إلى هجرة
مناطقهم نحو أحزمة الفقر بالمدن، لتعزيز صفوف ملايين البؤساء
"الحضريين". إن العديد من المناطق النائية لم تتجاوز بعد ظروف العيش لما
قبل-الاستعمار، حيث لم تستفيد من المنجزات العلمية، و لا من انجازات الإنسانية في
مختلف الميادين. يرجع السبب في هذا الواقع إلى سياسات التهميش و الإقصاء التي
اتبعتها الدولة المخزنية تجاه سكان "المغرب الغير النافع"، و حتى سكان
"المناطق النافعة" التي تسود فيها الرأسمالية، فان ملايين من الفلاحين
الفقراء أو بدون أرض، و العمال الزراعيين، يعيشون ظروفا قاسية نظرا لسيادة
"قانون الغاب"، و الرأسمالية الزراعية المتوحشة. لا يمكن فهم ما تعرفه
البادية المغربية اليوم، من حركات احتجاجية من مسيرات، و اعتصامات...خارج ما نقوله،
خارج منطق الصراع الطبقي.
أولا- مظاهر الهشاشة.
1- و شهد شاهد من أهلها.
- حسب تقرير برنامج الأمم
المتحدة الإنمائي ( 24 يوليوز 2014):
يحتل المغرب رتبة 129 على 187 دولة في إطار
تصنيف مؤشر التنمية البشرية/ IDH (تونس 90، الجزائر 93).
- و جاء في
تقرير البنك الدولي حول أسباب الفقر و كيفية محاربته (سنة 2013)
أن 50 في المائة من السكان
المغاربة، يعيشون تحت خط الفقر، يعيشون
تحت وطأة الأمراض والإعاقات، أو ظروف الطقس، وكذا فقدان الوظيفة.
كما أكد
نفس التقرير أن 2.5 مليون طفل معظمهم من الفتيات الريفيات لا يذهبون إلى
المدارس، مبرزا أن 83 في المائة من النساء القرويات لا تزال أميات.
كما أبرز البنك الدولي في تقريره حول المغرب،
دور عدم التساوي في التوزيع والتنوع الاقتصادي بين المناطق، وتأثيره على الهجرة و
التنقل.
2- ملاحظات:
- يشكل "مؤشر التنمية البشرية أحد المؤشرات، التي ابتكرتها هيئة
الأمم المتحدة، ويعتمد في إحصائياته على العناصر الثلاثة المعتمدة دوليا لقيس مدى
تطور الشعوب ورفاه المجتمعات وهذه العناصر هي:
*
الخدمات الصحية
*
قطاع التعليم
*
دخل الفرد
كما يهتمّ أيضا بقياس مستوى تطوّر البنية التحتية."
و إذا انطلقنا من الرتبة الغير المشرفة التي يحتلها المغرب في التصنيف
العالمي، فإننا نجد أن أهم القطاعات الاجتماعية تعاني خصاصا مهولا. و تبقى ضحايا
هذا "العجز" هي من جهة الطبقات الشعبية عامة مقارنة مع الطبقات السائدة
المستفيدة من الوضع المختل، و سكان البادية مقارنة مع سكان المدينة من جهة ثانية. و هذا لا يعني
بتاتا أن مغاربة البادية يعيشون نفس
المعاناة. فالمعاناة في علاقة تناسبية مع الانتماء الطبقي.
و يتضح هذا من خلال تقرير البنك الدولي
في إشارته إلى وضعية الفتاة القروية، و المرأة في البادية.
أ-
الحرمان من الحق في التعليم.
*
ضعف نسبة التمدرس مقارنة مع الوضعية في المدينة، و تبقى المرأة أول ضحية الأمية.
*
ضعف البنية التحية: مدارس/حجر في وضعية لا تساعد على التحصيل العلمي، زيادة على
بعدها عن المنازل/الأكواخ
*
ظروف صعبة للاشتغال بالنسبة لرجال التعليم، و خصوص بالنسبة للنساء: غياب السكن،
الكهرباء الماء، وسائل النقل...الخ مما
يؤثر على مردودية عملهم.
ب
– الحرمان من الحق في الاستشفاء.
- غياب مستوصفات، ناهيك عن المستشفيات في الجماعات القريبة
- غياب الإمكانيات المادية و وسائل النقل نحو مستشفيات المدن القريبة، و
هذا رغم الخصاص المهول التي تعاني منه المدن في مجال الصحة، حيث يصعب الاستشفاء
خارج العيادة الخاصة التي تتطلب نفقات باهظة.
-
العجز في تجهيز المراكز الصحية الموجودة في بعض المناطق النائية
ت
– تعاني العديد من المناطق من غياب التجهيزات التحتية التي تضمن
المواصلات/التواصل، و الكهرباء و الماء الصالح للشرب...الخ
ث
– يعاني، أبناء و بنات المناطق القروية، قبل غيرهم، من معضلة البطالة، خصوصا في
المناطق الخالية من "الرأسمالية الزراعية"، و وحدات "الصناعة –
الزراعية"، كالريف، و جبال الأطلس، و السفوح الشرقية...الخ
الثانيا. الدولة المخزنية و سياسات المسكنات
أمام تفاقم الفوارق الطبقية في البادية، و أمام تنامي حركة الفلاحين
الفقراء من أجل الحق في استرجاع أراضيهم التي استولى عليها المعمرون، و تم تفويتها
لمحظوظين مغاربة بعد الاستقلال الشكلي، هذه الحركة التي تحولت في بعض الحالات إلى
مواجهات دامية كانتفاضة أولاد خليفة بإقليم القنيطرة سنة 1970، حيث قتل العديد من
الفلاحين من طرف قوات القمع، لجأ الحكم إلى بعض الحلول الترقيعية من أجل التخفيف
من حدة الصراع.
أ – توزيع جزء من الأراضي المسترجعة على بعض الفلاحين الفقراء و العمال
الزراعيين، و تنظيمهم في إطار تعاونيات. رغم غياب معطيات
مضبوطة، فيبدو أن التوزيع شمل حوالي 000 300 هكتار استفاد منها حوالي 000 25
فلاح فقير و عامل زراعي. و إذا كان العدد
000 25 صحيح، فانه يبقى هزيل أمام ملايين المحرومين. إذن عملية توزيع الأراضي بهذا
الشكل و هذا الحجم، تبقى عملية دعائية و محاولة الالتفاف على المطلب المركزي: نزع
الأراضي من الملاكين العقاريين، و من جميع الطفيليين على الفلاحة و توزيعها على
الفلاحين الفقراء، و على العمال الزراعيين.
ب – أمام هول الهشاشة المتجلية في
الفقر، و البطالة، و انعدام ابسط شروط الحياة الكريمة، التجأ النظام إلى مسكن "
القروض المتناهية الصغر"/ Micro-crédits.
القروض الصغرى أو المتناهية الصغر، هي
قروض تقدم لفقراء ( القرويين بالأساس )، و تشكل النساء حوالي 80% من المستفيدين
بهدف إنشاء "مشاريع تجارية متناهية
الصغر تضمن دخلا للمستفيد يساعده على الخروج من دائرة الفقر." هذا الصنف من
القروض يهم الفقراء المحرومين من خدمات
الأبناك.
يمكن تقديم بعض
المعطيات حول هذا المسكن الاجتماعي/ social
tranquillisant
الجديد
- عدد "
الزبناء" القرويين يناهز نصف مليون فرد، و
في غالب ألأحيان يرتبط الفرد بعائلة كاملة
- عدد شركات هذا
النوع من القروض بالمغرب يقارب 30 وحدة، ك "الأمانة"،
"زاكورة"، "الكرامة"، "انماء"...الخ
- تعد هذه "الوصفة"
وسيلة جديدة لنهب قوة العمل بدون كلفة تذكر:
* نسبة الفائدة تصل إلى 50 في المائة باعتراف الباحث الاقتصادي، و العامل في ميدان القروض
الصغرى، فؤاد عبد المومني، و 190 في المائة حسب أمثلة حية قدمتها جريدة
"ليبراسيون". خارج قانون الغاب، لا وجود لسقف محدد قانونيا.
* الاستفادة من الإعفاءات الضريبية حسب تصريح ادريس الأزمي الإدريسي وزير منتدب مكلف بالميزانية
* يشتغل "الزبون" ليلا و نهارا، و
بتعاون أفراد عائلته، من أجل ضمان الاستمرار في الحياة و تسديد القرض و الفائدة.
هذا شكل جديد من العبودية، يراكم من خلاله البعض أرباحا خيالية باستغلال قوة العمل
بدون كلفة تذكر.
* تطمح هذه المؤسسات توسيع دائرة نهبها على
الصعيد الوطني إلى 3 ملايين و 200 الف زبون في المستقبل.
* تم إنشاء »مركز محمد السادس لدعم القروض الصغرى التضامنية /
« CMS
"من أجل السماح لفئات عريضة من
السكان المستهدفين ولوج القروض الصغرى،قررت مؤسسة محمد الخامس للتضامن دعم
الفاعلين في القطاع حتى يتسنى لهم تطوير أنشطتهم و بالتالي فتح أفاق من الأمل و
الكرامة للعديد من المستهدفين."
(عن موقع المركز).
ت – مسكن ( tranquillisant)
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية/ L’INDH
أمام تدهور وضعية الجماهير الشعبية، و تنامي الحركات الاحتجاجية، و تفاقم
الوضعية في البادية المغربية و في أحزمة الفقر بالمدن، التجأ النظام إلى
مسكن/"مهدن" جديد عبر وصفة "المبادرة الوطنية للتنمية
البشرية" التي انطلقت سنة 005 2.
يدعي مهندسو "المبادرة" :"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي مشروع تنموي من أجل تحسين
الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية لسكان المغرب، تقوم على ثلاث محاور أساسية :
-
التصدي للعجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا
- تشجيع الأنشطة المدرة للدخل القار والمتيحة لفرص الشغل
- العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة"
بعد حوالي 8 سنوات من انطلاقها، فان مفعول مسكن
"المبادرة" يبقى هزيلا. وضعية المحرومين و المهمشين في تدهور مستمر، و
البادية المغربية تعيش كارثة حقيقية، خصوصا و أن إشراف وزارة الداخلية على تنفيذ
برامج "المبادرة"، قد فتح المجال أمام رجال و أعوان السلطة المحليين
للاغتناء، و نسج علاقات أخطبوطية مشبوهة.
الخلاصة
المغرب مغربان: مغرب الأقلية
ترمز إليه القصور، و الفيلات المجهزات بالمسابح...، و الأبراج/العمارات الزجاجية الناطحة للسماء، و
السيارات الفاخرة، و الحسابات البنكية (في الداخل و في الخارج) المكدسة للمليارات...الخ
هذا من جهة، و من جهة ثانية مغرب الأغلبية ترمز إليه أحزمة الفقر، و هشاشة العالم
القروي، و مأساة المرأة الشعبية...الخ
إن
مختلف سياسات الدولة المخزنية لم تزد إلا توسيع الهوية:
- بين
البرجوازيين و الكادحين
- بين الأغنياء و
الفقراء
- بين المدينة و
البادية
و مبادرات "توزيع الأراضي"، و "توزيع القروض الصغرى"، و
" مبادرة التنمية البشرية"...الخ، تبقى بدون جدوى، و هي مسكنات تحاول الدولة من
خلالها إجهاض الحركات الاجتماعية المشروعة.
يشكل اليوم سكان البادية عامة، و المرأة
القروية خاصة، أكبر ضحايا التهميش الممنهج من طرف النظام، و تبقى المقاومة الشعبية
الواعية و المنظمة الطريق الوحيد لفرض الحد الأدنى من حقوق المواطنة على طريق
التغيير الجدري المنشود.
على فقير، يوم 20
أكتوبر 2014