lundi 30 mars 2015

ارتياب في المشهد السياسي المغربي

    
ارتياب في المشهد السياسي المغربي

   رغم أن قاطرة الصراع الطبقي، قاطرة التاريخ لا تنتظر المتخلفين، فان جل الفاعلين السياسيين يترددون في اختيار وجهاتهم.
  تخوض أهم الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات الدولة نضالات مستمرة من أجل نزع بعض الحقوق المشروعة (السكن اللائق، الشغل، التطبيب، التعليم...)، كما تخوض الحركة الحقوقية بقيادة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان معركة الوجود بهدف التعريف بواقع هذه الحقوق في المغرب، بهدف إشاعة  قيمها  في كونيتها و شموليتها  ، بهدف مؤازرة ضحايا الخروقات...الخ
رغم أن هذه المقاومة تبقي دفاعية ضد هجوم الدولة و امتداداتها الاجتماعية المحلية و في مقدمتها المضاربون العقاريين، و الباطرونا، و رغم أن المقاومة بقيت إلى حدود الآن محلية، مشتتة، غير مؤطرة، تفتقد إلى بوصلة سياسية و نظرية،...الخ، فإنها تشكل مظهرا واضحا من مظاهر الصراع الطبقي، و هذا بغض النظر عن "ضعف" نتائجها المادية.
ففي هذا الواقع، تعيش مختلف  القوى السياسية ارتيابا و ارتباكا لا تحسد عليها.
1 – على مستوى المؤسسة للملكية
   تشكل المؤسسة الملكية العمود الفقري "ألحام/ soudeur"للكتلة الطبقية السائدة، و هي تحاول صنع/فرض توازنات سياسية تضمن المصالح الأساسية لمختلف فئات هذه الكتلة، دون إغفال الحد الأدنى من  "حقوق" الفئات الاجتماعية المتضررة خوفا من الانفجار العام.
  لا شك فيه أن القصر يعيش ترددا في الوقت الراهن في كيفية التعامل مع "الاستحقاقات" المقبلة. لماذا؟
- تشير مختلف التحاليل إلى احتمال "عزوف" (تفاديا لكلمة مقاطعة) الجماهير الشعبية عن المشاركة في التصويت.
- ستقتصر الكتلة الناخبة على "مناضلي و متعاطفي" الأحزاب الانتخابوية، و على "بائعي" أصواتهم.
- يبقى حزب العدالة و التنمية هو المرشح للفوز في عملية الانتخابية الجماعية و اكتساح مختلف المجالس المحلية و الجهوية، مما يعبد طريقه نحو السيطرة على مجلس المستشارين في أفق الفوز في الانتخابات النيابية المقبلة.
  هذا هو السيناريو المحتمل إذا جرت انتخابات شتنبر 2015، خصوصا و أن "جيش" جماعة العدل و الإنسان التي تدعي دائما أن الانتخابات لا تهمها، ستتحرك قاعديا (كما جارت العادة) و في مختلف المناطق لنصرة "الإخوان في الإسلام ضد العلمانيين و الملحدين".
   انطلاقا من هذه التوقعات، فان المؤسسة الملكية تعيش وضعية "ارتيابية". هل ستسمح بإجراء انتخابات يكتسح من خلالها الإسلاميون المجالس المحلية و الجهوية؟ هل ستتدخل عبر وزارة الداخلية للتزوير المكشوف، كما جرت العادة منذ 1962،  مما سيخلق تصدعا في علاقاتها مع القوى الإسلامية، هذا فالوقت الذي هي في أمس الحاجة لورقة استغلال هذه القوى في الوقت الراهن؟ هل ستلتجئ المؤسسة الملكية إلى قرار غير مباشر لتأجيل "استحقاقات" شتنبر 2015؟ يجب أن لا ننسى أن الدولة المغربية تلجأ في هذه الحالات المعقدة إلى نصائح باريس و واشنطون.
2- على مستوى القوى "الحداثية" الملتفة حول المؤسسة الملكية
نظرا لضعفها أمام منافسيها الإسلاميين، فان هذه القوى ستفعل كل شيء من أجل تأجيل انتخابات شتنبر 2015، مع استحالة ربح "معركة التأجيل" خارج  دعم المؤسسة الملكية.  
3- جماعة العدل و الإحسان و حزب العدالة و التنمية
هذه القوتان الكبيرتان لم تعد تستقطب المستضعفين، و مستقبلها غير مطمئن.
  فحزب العدالة و التنمية فقد إشعاعه بعد تحمله للمسؤولية الحكومية و لم يحقق شيئا يذكر من وعوده الانتخابية، حيث اتضح للجميع أنه، مثله في ذلك مثل الأحزاب الحكومية السابقة، قد تحول إلى أداة  عادية لتنفيذ سياسات القصر و محيطه.
  أما جماعة العدل و الإحسان، أهم قوى سياسية في المغرب، فقد وصلت إلى الباب المسدود: فمن جهة، تستبعد الجماعة من اختياراتها مواجهة(confrontation  (النظام من أجل تغييره بنظام أخر، و من جهة ثانية فإنها ترفض الانخراط في اللعبة السياسية "حفاظا" على "العذرية" التي تجلب آلاف المحبين.
  إن ارتماء حزب العدالة و التنمية في أحضان المخزن و ارتباك جماعة العدل و الإحسان، قد فتح أفاقا واعدة أمام التيارات الإسلامية الراديكالية، التي أصبحت (على الأقل عاطفيا) قبلة لفئات واسعة من المحرومين عامة، و من المهمشين اقتصاديا و اجتماعيا خاصة.
4- القوى التقدمية المعارضة أو ما يصطلح عليه باليسار
هذه القوى تعيش هي كذالك في وضعية لا تحسد عليها
- العجز في تأطير الطبقات ذات المصلحة في التغيير
- تشبث عدد من مكوناتها بالعمل أساسا عبر المؤسسات المخزنية
- اعتبار البعض منها "المشاركة في الانتخابات هي القاعدة، و مقاطعتها هي الاستثناء"، رغم أنها تعلم علم اليقين أن "الفوز" في الانتخابات المخزنية مشروط بتزكية النظام (شرط لا مفر منه)، بقوة المال لشراء الأصوات، و باستغلال المسجد كمنبر للدعاية
إن العديد من مكونات الصف التقدمي تعيش ارتباكا سياسيا، و مشاكل تنظيمية (أسبابها تبقى سياسية و فكرية بالأساس).
الخلاصة
   لا أظن أن هناك طريق أخر أمام قوى التغيير الجدري خارج إستراتيجية المواجهة، هذه المواجهة التي تتطلب:
- دعم إعلاميا و ميدانيا المقاومة الشعبية.
-  تأطير و توجيه نضالات الكادحين و مختلف المهمشين و المقصيين، مما يستلزم بناء امتدادات تنظيمية قارة (و ليس مناسباتية) في الأحياء الشعبية عامة، و داخل الأحياء العمالية خاصة، في الكاريانات، في القرى...الخ.
- الانفتاح على الطبقات "الوسطى" (مختلف فئات البرجوازية الصغيرة) لتأطير نضالاتها و استقطاب طلائعها إلى صف الكادحين الثوريين.
هذه مهام القوى التقدمية الجدرية، هناك شروط لانجازها:
أ- إعادة الاعتبار للفكر الثوري كبوصلة في سيرورة التغيير المنشود مع الاجتهاد لاغنائه انطلاقا من الواقع االملموس.
ب- دراسة تجارب الشعوب التي تمكنت من تحقيق ثورات من أجل الاستفادة و ليس من أجل النسخ.
ت- العمل جديا من أجل بناء أدوات التغيير، مما يتطلب إعادة النظر كليا في أساليب الممارسة، و ذلك بالاقتناع أن التغيير لا يمكن أن يتحقق من داخل المؤسسات المخزنية، هذا من جهة الانحراف اليميني، و لا يمكن أن يتحقق في غياب انخراط الجماهير الواعية و المنظمة من جهة الانحراف اليسراوي، و أن أهم أدوات التغيير (التنظيم السياسي) لا يمكن الحديث عنه في غياب انصهار الطلائع المناضلة (العمالية بالخصوص) و النظرية الثورية. ان الشعارات "الثورية" من خارج "الحرب" الطبقية تبعد عنا الجماهير أكثر مما تقربها. إن لكل شعار حمولية ي حددها الواقع الملموس: نوعية المطالب، طبيعة المعركة، الفئات/المكونات الحاضرة، مستوى الوعي، موازن القوة...الخ
   يتلخص اليوم رهان القطب التقدمي في مسألة: كسب ثقة و انخراط الفئات الشعبية المناضلة، و في مقدمتها الفئات الكادحة. هناك ملايين  من المغاربة، نساء و رجال، ينفرون من كل ما يجيء من الدولة المخزنية، ملايين لا يثقون في "السياسيين"، ستشكل هذه الملايين جيشا هاما في سيرورة التغيير. جيش تحت قيادة من؟ إما تحت قيادة التقدميين و إما تحت قيادة الماضويين.
على فقير، يوم 30 مارس 2015

dimanche 22 mars 2015

من انتفاضة مارس 65 الى حركة 20 فبراير 2011

المداخلة كما سلمتها كتابيا للمنظمين
50 سنة بعد انتفاضة مارس 65
أربعة سنوات بعد انطلاق حركة 20 فبراير
دروس، و آفاق
(على فقير)
50 سنة بعد انتفاضة مارس 1965، و أربعة سنوات بعد انطلاقة حركة 20 فبراير، الواقع الحالي    يسائلنا  كقوى تقدمية، كامتدادات تاريخية للحركة الاتحادية و للحركة الماركسية اللينينية، يسائلنا عن انجازاتنا، عن إخفاقاتنا، عن أسباب نجاح الاستمرارية، و عن سبب فشلنا في تحقيق العديد من أهدافنا الأساسية.
أولا – انتفاضة 23 مارس 1965:
 أول انتفاضة شعبية ضد النظام، و بداية وعي الشباب بالعجز الطبقي لمكونات الحركة الوطنية في قيادة المقاومة الشعبية.
   كان حلم الشعب المغربي كبيرا خلال النضال التحرري قبل 1956، لكن الطبيعة الطبقية للحركة الوطنية حالت دون تحقيق تلك المطامح المشروعة، نظرا لتعاقدها مع القصر الذي أصبح يستند قوته الأساسية ، زيادة على تبعيته للامبريالية، من طبقة ملاكي الأراضي الكبار الشبه-الإقطاعيين (امحزان، امهراق، لحسن اليوسي، أحرضان، مبارك البكاي...)، من الأطر العسكرية التي تكونت في أحضان الجيوش الاستعمارية (افقير، الكتاني، امزيان، حمو امحزون....)، و من المثقفين الليبراليين المرتبطين بفرنسا أمثال كديرة...الخ
  بعد وفاة محمد الخامس، تمكن القصر من حسم خلافاته التي ظهرت بعد 56 مع الحركة الوطنية، و ذلك خلال سنوات 61/62/63 عبر فرض دستوري لا ديمقراطي، و إجراء انتخابات مزورة، و قمع الحركة الاتحادية عبر مؤامرة 1963، عبر الاغتيالات (اغتيال شيخ العرب غشت 6419، اختطاف المهدي بن بركة أكتوبر 1965...)...الخ   
   لقد اتضحت للشباب المنحدر من الطبقات الشعبية الطبيعة اللاشعبية، و اللاديمقراطية و اللاوطنية لنظام ما بعد الاستقلال، مما جعل من مذكرة وزير التربية الوطنية، يوسف بلعباس، الشرارة التي فجرت غضب الشبيبة المدرسية، قبل أن يمتد لهيب النار إلى مناطق و فئات أخرى.
 و لإخماد غضب المنتفضين، التجأ النظام إلى ارتكاب مجازر لا يمكن نسيانها، مستعملا في ذلك دبابات، و مروحيات، زيادة على الجحافل العسكرية التي تقتل في دروب و في أزقة الدار البيضاء، تغتصب، و تنهب...الخ
 شكلت أحداث شهر مارس 1965، قطيعة الشباب مع النظام الملكي، و منعطف في علاقة الشباب مع قيادة الحركة الوطنية (علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، على يعته...الخ) التي لبت دعوة الحسن الثاني و انتقلت إلى ايفران للعب دور رجال المطافئ، و هذا في القوت الذي لم تنشف فيه بعد شوارع الدار البيضاء من دماء الشهداء.
    شكلت انتفاضة مارس 65 المجيدة تحولا أساسيا في وعي الشباب المغربي، وزلزالا حقيقيا داخل الأحزاب التقدمية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والحزب الشيوعي المغربي)، نظرا لتخاذل قيادتها. لقد اتضح للعديد من المناضلين المتحزبين والغير المتحزبين أن فشل النضال ضد النظام يرجع بالأساس إلى الطبيعة الطبقية البرجوازية الغير المؤهلة لقيادة هذا النضال، وهذا ما دفع بالعديد من الثوريين إلى بناء خلايا ثورية داخل الحركة الاتحادية، و أنوية ماركسية- لينينية مستقلة أعطت فيما بعد منظمات "23 مارس"، "إلى الأمام" و "لنخدم الشعب".  
ثانيا: 50 سنة من الصراع الطبقي المرير
بعد الطلاق مع المؤسسة الملكية و مع قاعدته الاجتماعية، و رغم فقدانها لأدوات التغيير الثوري، فقد انخرطت مختلف الطبقات الشعبية في النضال من أجل فرض بعض حقوقها المشروعة. سأكتفي هنا  بسرد بعض الأحداث
  -  رغم غياب حزبها الشيوعي، فقد خاضت الطبقة العاملة نضالات قوية (إضراب الفوسفاطيين لعدة  أسابيع خلا  68/69/71...الخ)
- نضال الفلاحين الفقراء من أجل الأرض: انتفاضة فلاحي أولاد خليفة بالغرب سنة 1970 ، نتج عنها العديد من القتلى و الاعتقالات و تشريد لعشرات من الأسر
- حركة التلاميذ و الطلبة العارمة من 1969 إلى 1973
- محاولتي انقلاب 9 يوليوز 1971 و 16 غشت 1972 و ما صاحبهما من إعدامات خارج القانون، دون أن ننسى جرائم معتقل تازمامارت
- أحداث مارس 1973 المسلحة، و الإعدامات (دهكون و العديد من الثوريين الاتحاديين) التي صاحبتها، و المحاكمات الصورية، و تشريد ألاف من الأسر و العشرات من القبائل...الخ
- القمع الأعمى الذي تسلط على الحركة الماركسية اللينينية بمختلف فصائلها، و الاغتيال تحت التعذيب (الشهيد عبد اللطيف زروال، أمين التهاني...)
- انتفاضات يونيو 1981، يناير 1984، دجنبر 1990 و ما صاحبها من مجازر، و اعتقالات...الخ
ثالثا: من المقاومة العفوية إلى المقاومة المنظمة
 الطابع المشترك لانتفاضات 65، 81، 84، 90  يتجلى في عفويتها، مما يفسر قصر مدتها.
لقد لعبت أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي (النهج، و الطليعة، و الاشتراكي الموحد، و المؤتمر الوطني)،  و الحساسيات الماركسية الأخرى، و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والحركة النسائية الديمقراطية، و الحركة الديمقراطية الأمازيغية...الخ دورا مهما في استمرارية و صمود الحركات الاحتجاجية لمدد أطول خلال السنوات الأخيرة.
  فقد انطلقت مثلا تجربة "التنسيقيات لمناهضة ارتفاع الأسعار" بمبادرة من مكونات تجمع اليسار الديمقراطي و فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة صفرو، التي عرفت انتفاضة عارمة يوم 23 شتنبر 2007، بعد أيام فقط من مقاطعة الجماهير لانتخابات بداية نفس الشهر. و رغم القمع الهمجي و اعتقال العشرات من المتظاهرين من  ضمنهم المسئولين المحلين للنهج الديمقراطي، و الطليعة’، و المؤتمر الوطني...الخ فقد بادرت القوى التقدمية بمختلف مكوناتها و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى تعميم المقاومة، و إنشاء تنسيقيات محلية. تجربة رائعة في إطار الصراع الطبقي، يبقى تقييمها منوطا بالمكونات التقدمية.
رابعا: حركة 20 فبراير المجيدة
تعد حركة 20 فبراير أهم حركة سياسية شعبية مناهضة للنظام المغربي منذ الاستقلال الشكلي، ذلك انطلاقا من أرضيتها، من زخمها، و من مدة استمراريتها
  1- أسباب انطلاقها
ألأسباب العميقة: تتلخص هذه الأسباب في انعكاسات سياسات الدولة المخزنية على غالبية الجماهير الشعبية: الفقر، البطالة، انتشار الرشوة، و المحسوبية، و الإفلات من العقاب، تدهور الخدمات الاجتماعية المنوطة بالدولة كالتعليم، و الصحة، و السكن اللائق...زيادة، بطبيعة الحال، على الاستبداد السياسي و الاختناق الإيديولوجي، و احتكار المؤسسة الملكية لخيرات البلاد و للقرارات السياسية و الاقتصادية و الإنابة على الشعب في مجال المعتقد، و هذا بدون الحديث عن ربط مصير الشعب المغربي بمصالح الامبريالية...الخ
موضوعيا، أمام هذا التدهور العام في الحياة العامة، لا خيار للمضطهدين و للمحرومين و لكل الضمائر الحية إلا الانتفاضة من أجل التغيير
الأسباب المساعدة: انتفاضات العديد من شعوب العالم العربي (تونس، مصر، اليمن، البحرين...)
2- المكونات السياسية التي ساهمت في الانطلاقة: الشباب (ذكور و إناث) المرتبط بأحزاب تجمع اليسار الديمقراطي، بجماعة العدل و الإحسان و ببعض الفصائل الماركسية و الإسلامية الأخرى، زيادة على الشباب الثائر و الفاقد لأية مرجعية فكرية أو سياسية محددة.
3- القاعدة الاجتماعية لحركة 20 فبراير: تقوت حركة 20 فبراير بانخراط  الفئات الاجتماعية المهمشة و المقصية في المجتمع (كسكان الكاريانات، الفراشة...الخ).
4- المخلفات الايجابية: تحرر المواطنين (نساء و رجال) من الخوف، بروز قادة شباب و تصليبهم عبر الممارسة الميدانية، تحرر طاقات الشباب الخلاقة من فرامل "الشيوخ" و من وصاية هؤلاء، تجاوز الطبوهات و المقدسات المفروضة في المجتمع... ظهور النظام كنمر من ورق أمام السخط الشعبي، و ذلك عبر" نغمة" الخطاب الرسمي المتسم بالخوف من الشعب...الخ.
4- محدوديات حركة 20 فبراير.
 يمكن تلخيصها فيما يلي:
أ- عدم انخراط الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء، و أغلب فئات البرجوازية الصغيرة، و كذلك أغلب الشبيبة المدرسية.
  لقد لعبت القيادات البيروقراطية النقابية دور الفرامل في محاولة عرقلة تقدم عجلة قاطرة التاريخ.
 ففي غياب قيادة الطبقة العاملة، سياسيا و فكريا، للسيرورة الثورية، و في غياب تحالف العمال و ألفلاحين كعمود فقري لتلك السيرورة، و كقوة ضاربة بجانب الفئات المقصية و المهمشة من أشباه البروليتاريا ، و في غياب المثقفين العضويين الثوريين، ففي غياب كل هذا، لا يمكن لسيرورة التغيير أن تحقق الأهداف المنشودة. لنتمعن، و نستخلص الدروس من ما يقع في بلدان العالم العربي.
ب- غياب أدوات التغيير: الحزب المؤطر لعموم الكادحين، جبهة ديمقراطية عريضة تؤطر مختلف الطبقاتالشعبية، جمعيات الأحياء المناضلة، مجالس العمال، وحدات فلاحية، حركة طلابية و تلاميذية واسعة...الخ
ت- عجز المكونات الداعمة للحركة، و المشاركة فيها عن إيجاد صيغ "التعايش" لما يضمن تجدير و استمرارية الحركة. إن الخلافات التي برزات بين القوى السياسية المعارضة للنظام حول طبيعة المرحلة، و شعارات المرحلة...الخ قد ساعدت على "تعطيل التعبئة"  La démobilisation
و زرع بوادر التشتت عبر التشويش، و التخوين، و الساق التهم المجانية...الخ
ث- عدم طرح في الأرضية التأسيسية لقضية المساواة بين المرأة و الرجل، ساعد البعض على عزل النساء عن الرجال و تطويقهن بسلسة من مفتولي العضات مما يضرب في الصميم رغبة التحرر من النظام القائم و تشييد مجتمع ديمقراطي على أسس القيم الإنسانية
ج- محاولة تسقيف مطالب الحركة لعب دورا سلبيا في توحيد هذه الأخيرة
خامسا: حول بعض القضايا التي تطرحها الأرضية التقديمية.
 يتسم المشهد السياسي المغربي في الوقت بتواجد 3 أقطاب أساسية
أ- القطب المحافظ الملتف حول المؤسسة الملكية التي تتصرف في توازناته الداخلية كما تشاء، تصنع منه الأغلبية الحكومية و معارضتها الشكلية. فكل مكونات هذا القطب متفقة على الجوهر: النظام الملكي على شكله الحالي، الرأسمالية كنمط إنتاج، المذهب السني كمذهب وحيد و أوحد، المفهوم الرجعي لمفهوم السيادة الوطنية. هناك من هذه المكونات من يريد المزيد من الاختناق الإيديولوجي باسم الدين، و هناك من يريد الانفتاح أكثر على قيم الحداثة.
ب- قطب الإسلام المعارض. مكوناته تناهض النظام في أفق تشييد نظام ماضوي أكثر اختناقا
ت- القطب التقدمي المعارض، و هو يتكون من أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي (الاشتراكي الموحد، الطليعة، النهج الديمقراطي و المؤتمر الوطني الاتحادي)، و من مختلف الحساسيات الماركسية الأخرى.  بشكل عام، يناضل هذا القطب من أجل تشييد مجتمع  تسود فيه القيم الإنسانية، تتحرر فيه الطاقات الخلاقة للمنتجين و لمختلف المبدعين، تتحقق فيه المساواة الفعلية بين الرجل و المرأة...الخ
1-آفاق حركة 20 فبراير:
في اعتقادي الشخصي، فقد فشلت الحركة في تحقيق أهدافها المسطرة في الأرضية التأسيسية، و الفشل يرجع بالأساس إلى ضبابية بعض المطالب، إلى غياب أدوات التغيير الثوري، إلى عدم انخراط الطبقات الأساسية  و في مقدمتها الطبقة العاملة، إلى فشل مكوناتها في تدبير الخلافات الداخلية و في تغليب ما يجمعها على ما يفرقها...الخ. في المقابل فقد نجحت الحركة المجيدة في تعرية وجه النظام القمع عبر سقوط شهداء، عبر آلاف من المصابين، عبر العشرات من المعتقلين...الخ، فقد نجحت في زرع بذور المقاومة الشعبية، بذور الآمال، في فضح مغالطات المحرمات و المقدسات...الخ فقد أصبح جزء كبير من المجتمع عامة و من الشباب خاصة يناقش كل شيء.
هل ماتت حركة 20 فبراير؟ بالتأكيد لا، ثم لا. الحركة حية و لن تموت مادام "أسباب نزولها" قائمة.  أنهي هذه الفقرة بمقطع من نشيد للمعتقلين الماركسيين اللينينيين (مجموعة 1972):
 لكن حذار هبة الإعصار                    
من الرماد تشب النار                       
يوم تدوي صرخة المستضعفين              
سوف نفدي كل ثار  
ففي رماد مغرب اليوم جمرة اسمها حركة 20 فبراير، ستوقد النار مجددا، و لهيب النار سيحرق السهل بكامله، طال الزمن أم قصر
2- حول أسئلة منظمي الندوة
أ-هل هناك إمكانيات لبناء "جبهة يسارية ديمقراطية واسعة لقيادة النضال الديمقراطي الجماهيري" كما طرحتها الأرضية التقديمية للندوة الحالية ؟ بغض النظر عن إلاشكاليات النظرية التي تطرحها  المصطلحات المستعملة  في الأرضية، فإننا مطلوبين بتوضيح أرائنا حول معطيات مرتبطة بالحركات الجماهيرية المناضلة عامة، و بحركة 20 فبراير خاصة.
- هناك قوى إسلامية متجدرة داخل الجماهير أكثر من القوى التقدمية، و لعبت دورا قويا في أوج حركة 20 فبراير يصعب تجاهلها.
- أمام تعتر مختلف مكونات حركة 20 فبراير (تقدمية منها و إسلامية) في عملية التغيير، فان تعاطف المهمشين و المقصيين، و مختلف المضطهدين، مع التيارات الإسلامية الإرهابية (أمثال داعش) يتنامى شيئا فشيئا. هناك احتمال سحب البساط من تحت أقدام القوى السياسية المعارضة الكلاسيكية من طرف قوى الإرهاب و التطرف الديني
- الجواب على سؤالين أساسين حول استراتيجية التغيير: انطلاقا من طبيعة النظام، و من تجربة 60 سنة بعد الاستقلال الشكلي، هل يمكن اعتبار النضال الجماهيري الواعي و المنظم خارج المؤسسات المخزنية هو الأساسي في التغيير و تبقى المشاركة في الانتخابات استثناءا أم العكس؟ 
 و تبقى بطبيعة الحال مهمة بناء الجبهات من مسؤولية قيادات التنظيمات، أما نحن هنا كأفراد، على الأقل بالنسبة لي، فإننا نعبر عن أراه شخصية لا تلزم تنظيماتنا.
انطلاقا مما سبق، و في الوقت الراهن، فإنني استبعد شخصيا إمكانية تأسيس هيكليا، الجبهة التقدمية المنشودة من طرف القيادات الحالية، و هذا لا يمنع بتاتا مختلف مكونات الصف الديمقراطي و التقدمي من التنسيق و اتخاذ مواقف و مبادرات مشتركة كل ما أمكن ذلك.
ب- حول إمكانيات بناء "جبهة اجتماعية نضالية تضم النقابات والحركات الاجتماعية الاحتجاجية الجديدة". من الناحية النظرية، اعتبر هذه الجبهة أساسية و مدخل يسهل بناء الجبهات السياسية، نظرا لتواجد مختلف مكونات المعارضة (بما فيها الإسلامية) في نقابتي كدش و امش بمختلف توجهاتها، و تواجد مختلف القوى التقدمية في مختلف فصائل الحركة الحقوقية (و أعني بالأساس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف)، و الانخراط الوحدوي في العديد من جبهات المقاومة الشعبية على الصعيد الجهوي و المحلي.
هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية، فان مواقف التوجهات السائدة داخل الاتحاد المغربي للشغل و الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لا ترقى في القوت الراهن إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب، رغم أن هذه الجبهة لا تتطلب أرضية جدرية، لأن الهدف هو تدعيم المقاومة الشعبية من أجل نزع العديد من المطالب ل"تلطيف شروط  الاستغلال" و ليس للقضاء على الاستغلال، الذي يبقى من مهام القوى السياسية الاشتراكية
ت- حول السؤال المتعلق بإمكانيات تقوية نضال الحركة الحقوقية بالمغرب.
هناك مكونات فاعلة داخل الحركة الحقوقية المغربية، في مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و المنتدى المغربي لحقوق الإنسان، العصبة المغربية...و جمعيات نسائية و أمازيغية ديمقراطية.
إن تشكيل الإتلاف الحقوقي الحالي من أكثر من 20 مكون يمشي في الاتجاه الصحيح. يبقى، في اعتقادي الشخصي، انفتاح المندى على ضحايا قمع ما بعد 1999 ضرورية لتقويته، و تقوية الحركة الحقوقية عامة.
3- ما العمل؟
لنكون من المشاركين في الانتخابات المقبلة، أو من مقاطعيها، أعتقد أننا متفقين على الحقيقة الآتية: هناك 3 عوامل أساسية تحدد "فوز" مرشح معين
أ-  أن لا يعارض المخزن هذا "الفوز"
ب- أن يكون المرشح من فئة "أصحاب" الشكارة" لشراء الأصوات
ت- أن يكون من المتاجرين بالدين
فخارج رضا المخزن، و التمويل المفيوزي، و سند المسجد، تبقى حظوظ "الفوز" شبه منعدمة، خصوصا و أن أغلب المواطنين  (نساء و رجال) البالغين سن التصويت لا يساهمون في الانتخابات.
تتشكل القاعدة الانتخابية أساسا من مناضلي و متعاطفي الأحزاب المشاركة، و من بائعي أصواتهم.
 على شباب حركة 20 فبراير عامة و على مناضلي القوى التقدمية أن يبادروا جهويا و محليا  إلى بناء أدوات موحدة لتدعيم و تصليب المقاومة  الشعبية. هذا البناء لا يمكن أن يكون إلا عبر الانخراط ميدانيا في هذه المقاومة، فقد ولى عهد الشعارات الرنانة و المزايدات السياسوية. نظموا ندوات، محاضرات، تسلحوا نظريا عبر القراءة...الخ
 في واقع التشرذم التي تتخبط فيه القوى المعارضة، يصعب انتظار مبادرات عملية من القيادات الحالية، لذي أعتبر شخصيا ،أن النضال القاعدي الميداني الوحدوي يبقى أفضل طريق لبناء جبهة فعلية على المستوى الوطني.
و كخاتمة أقول:  لم يكتفي جيل مارس 65 بالانتفاضة ضد نظام الحسن الثاني الاستبدادي، بل انتفض كذلك، سياسيا و فكريا، ضد قادة المعارضة المروجين لأوهام الإصلاح في ظل البنيات القائمة، فجر ذلك الجيل طاقاته الإبداعية في مختلف الجبهات، و طرح للمسائلة مختلف المسلمات و الطابوهات. كان حقا جيل الثورة السياسية، جيل الثورة الثقافية، جيل التضحية،  كان جيلا أمميا ربط النضال المحلي بالنضال العالمي ضد الامبريالية، الصهيونية و الرجعية.
على فقير، يوم الأحد 22 مارس 2015

jeudi 12 mars 2015

نبذة عن مسار الحركة النقابية المغربية :تاريخ و واقع اليوم


نبذة عن مسار الحركة النقابية المغربية
تاريخ و واقع اليوم
(على فقير)
    تعيش اليوم الحركة النقابية المغربية أزمة متعددة الأوجه يصعب عدم الاعتراف بها، و من مظاهر الأزمة:
- تدني نسبة التنقيب التي أصبحت تحت عتبة  10 في المائة
- عدد النقابات القانونية يتجاوز 20 إطار
- ضعف التضامن الوطني و القطاعي و حتى على مستوى النقابة الوحيدة
- اختيار القيادات النقابية اعتمادا على أسلوب الكواليس و العلاقات الشخصية و التوافقات المشبوهة مع خصوم الطبقة العاملة في مواجهة قضايا العمال.
- رفض الانفتاح على كادحي القطاعات المتسمة " بالهشاشة" نظرا لصعوبة تحقيق المكاسب الآنية
- تبني القيادات النقابية للخطاب الديماغوجي حول " المقاولة المواطنة"، و " التشاروكية" و "السلم الاجتماعي"... و اعتماد الخطاب الشوفيني المقيت حول "القضية الوطنية" و طمس التناقضات الطبقية الفعلية...الخ
و قد انعكس سلبيا كل هذا على كفاحية الطبقة العاملة و على مردودية نضالاتها المتسمة في غالب الأحيان بالعفوية. فكيف يمكن تفسير تراجع الحركة النقابية المغربية و سقوط قياداتها في مستنقع الانتهازية  و الذيلية للبعض و الانهزامية بالنسبة للبعض الآخر؟
بروز الحركة النقابية المغربية.
    برزت الطبقة العاملة المغربية مع دخول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى المغرب الذي صاحب عملية استعماره  من طرف فرنسا بالخصوص. و رغم منع التنظيم النقابي على العمال الغير الأوروبية فقد انخرط العمال المغاربة في الاتحادات النقابية المؤطرة أساسا من طرف المناضلين الشيوعيين. و قد لعب الكادحون المغاربة أدوارا مهمة في الحركة العمالية إبان الثلاثينات و الأربعينات، و انضم العديد منهم إلى الحزب الشيوعي المغربي، إلا أن تذبذب مواقف هذا الحزب من عدة قضايا و في مقدمتها النضال من أجل الاستقلال فوت عليه فرصة التجذر داخل الطبقة العاملة و فقدته قيادة النضال التحرر الوطني في أفق البناء الاشتراكي. هذا ما يفسر التحاق الطبقة العاملة المغربية بالحركة الوطنية تحت قيادة البرجوازية الوطنية، و الابتعاد تدريجيا عن الاتحادات النقابية الشيوعية المرتبطة بالكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية. توج هذا المسار بميلاد الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 بقيادة مناضلين وطنيين مغاربة بعيدين كل البعد عن مرجعية الطبقة العاملة و عن أهدافها البعيدة المدى.
بداية الصراع الفكري حول دور الحركة النقابية
في النضال السياسي
   لقد شكل، غداة استقلال 1956، الاتحاد المغربي للشغل و رجال المقاومة و جيش التحرير و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ركائز يسار حزب الاستقلال، مما قوى موقع الجناح التقدمي داخل قيادة هذا الحزب و ساعده على تقوية موقعه في الواقع السياسي المغربي إبان انفصاله  و تشكيله لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. تعرضت الحركة النقابية المغربية لأول مبادرة التقسيم، و ذلك بعد تشكيل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب من طرف حزب الاستقلال، و ذلك بداية من سنة 1959، إلا أن هذه المبادرة  بقيت دون تأثير كبير. برز داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية موقفان حول العلاقة بين الحزب و النقابة و حول دور النقابة في الصراع السياسي. لقد أعتبر الطرف الأول أن النقابة جهاز تابع للحزب، و عليها أن تدافع عن مواقفه مهما كانت الظروف، و من المدافعين عن هذا الطرح  يمكن سرد أسماء المهدي بنبركة و الفقيه البصري و عبد الرحيم بوعبيد؛ أما  الطرف الثاني، الذي كان يتحكم عمليا في أجهز النقابة، فكان يدافع عن "استقلالية" النقابة و "حيادها" في الصراع السياسي الدائر في المجتمع، و من المدافعين عن هذا الرأي يمكن التذكير بمحجوب بن الصديق و عبد الله ابراهيم. لقد بقي النقاش حول دور الحركة النقابية حبيسا بين طرح "الالحاقية" العمياء و طرح الاقتصادويةّ/الخبزية الضيقة، و يلتقي الطرحان في معاداة الفكر الشيوعي، فكر الطبقة العاملة، و في رفض الاعتراف بطبيعة الطبقة العاملة كطبقة حاملة موضوعيا لمشروع مجتمعي متكامل، بخصوصية مصالحها و بضرورة استقلاليتها السياسية و الفكرية...لأن ما كان يهم مختلف منظري الحركة الاتحادية هو جهاز نقابي لا طبقي يستعمل كورقة ضغط في المعادلات الداخلية و في الصراع مع النظام.
انطلاق عملية التشتت النقابي
   بعد ميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959 من رحيم حزب الاستقلال، و تخلص ا.م.ش من سيادة حزب الاستقلال، بادر هذا الأخير إلى تشكيل نقابة جديدة بداية سنة 1959 تحت اسم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، و مع احتداد الصراع بين أجنحة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بادر البعض إلى خلق نقابات قطاعية مستقلة عن ا.م.ش مثل النقابية الوطنية للبريد، و النقابة الوطنية للتعليم...
   بادرت الحركة الشعبية بدعم من الدولة إلى خلق نقابة على أسس عنصرية تحت اسم "النقابات الشعبية..." فشلت في اختراق الشغالين خصوصا بعد محاولاتها الفاشلة في أواخر الستينات.   
أدى احتداد الصراع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى انقسام 1972 (ظهر "اتحاد الرباط" و "اتحاد الدار البيضاء") مما أدى من بعد إلى الاحتفاظ باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من طرف التيار المرتبط بالنقابة، و شكل الطرف الآخر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و بادر هذا الأخير إلى تشكيل نقابة جديدة للتحكم في مختلف دواليبها تحمل اسم "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل" – ك.د.ش، و عرفت العقود الأخيرة ميلاد العديد من النقابات، حيث يتجاوز عددها اليوم 20 إطارا أغلبها لا يمثل في الواقع شيئا. لقد لعبت الدولة/القصر من خلال الأحزاب الإدارية، و الحركة الاتحادية من خلال الأحزاب المفرخة عنها الدور الأساسي في تشتيت الحركة النقابية المغربية. فمن جهة لا يمكن للدولة و من ورائها البرجوازية الرأسمالية أن تقبل بوجود حركة نقابية موحدة، مكافحة و قوية، و من جهة ثانية لا يمكن للعقلية الاتحادية بطبيعتها البرجوازية الإصلاحية أن تستمر في إلاطارات الجماهيرية  الخارجة عن هيمنتها.
لماذا تراجعت نضالية أ.م.ش و ك.د.ش؟
   يمكن الحديث  ميدانيا عن 5 نقابات: امش (  المستقلة بجناحيها عن الأحزاب السياسية)، كدش (التابعة نسبيا لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، فدش (التابعة بجناحيها للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الاتحاد الوطني المغربى للشغل (التابع لحزب العدالة و التنمية) و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (التابع لحزب الاستقلال)؛ و تبقى امش و كدش النقابتين التقدميتين الأكثر تمثيلا و الأنشط نضاليا، و قد اختارت مختلف القوى التقدمية المعارضة للمخزن دعمهما تنظيميا و كفاحيا مع تشجيع كل المبادرات التي  تخدم الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية.   
  عرفت امش و كدش المناضلتان تراجعا واضحا كميا و عدديا. فكيف يمكن تفسير هذا التراجع؟ و في إطار النقاش الدائر حول أسباب هذا التراجع، سأحاول تركيز مقاربتي في النقط الآتية.  
 – لقد عرف النظام الرأسمالي العالمي تحولات كبيرة في العقدين الأخيرين أدت إلى اختلال الموازن بشكل كبير لصالح الرأسمال و ذلك على حساب قوة العمل: هشاشة العمل، ضرب المكاسب، صعوبة تحقيق انتصارات نقابية...الخ
 - وقوف الدولة بشك واضح و بدون تحفظ بجانب  البرجوازية الرأسمالية و ملاكي الأراضي الكبار عبر القمع المباشر للكادحين، و عبر سن قوانين جديدة تحاصر العمل النقابي تدعيما للباطرونا.
– ارتفاع كبير (لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية) للجيش الاحتياطي الصناعي و ذلك نتيجة عجز الرأسمالية على استيعاب ملايين الباحثين و الباحثات عن العمل، و نتيجة تراجع عملية التوظيف العمومي المرتبطة بسياسة تقليص نسبة الميزانيات الخاصة بالخدمات الاجتماعية (التعليم، الصحة، السكن، التشغيل...). إن ارتفاع عدد المعطلين يشكل عامة عنصرا يقوي حرب الرأسماليين على النضال النقابي الجاد.  
  هذه بعض الأسباب الموضوعية التي تفسر نسبيا تراجع الحركة النقابية المغربية، لكنها تبقى أسبابا ثانوية مقارنة مع العناصر الذاتية المرتبطة بالتحولات الداخلية التي عرفتها النقابتين امش و كدش و الاختيارات الجديدة التي تبنتها قيادتيها نقابيا و سياسيا. و يمكن تركيز هذه العوامل الذاتية في النقط الآتية. 
 1- استمرار، بل تعميق الفكر المناهض لكل مبادرة تسعى إلى الرفع من مستوى الوعي الطبقي لدى العمال
 2- سيادة الفكر الانعزالي لدى قيادة الاتحاد المغربي للشغل (التوجه السائد في الأمانة الوطنية) الذي يحدد مهمة الحركة النقابية في النضال من أجل "الخبز" و يزرع داخل الكادحين النفور من النضال السياسي .
  3- سيادة الفكر الاتحادي "الالحاقي" داخل  قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي تتعامل مع النقابة كجهاز ذيلي للحزب يتتبنى يدون تحفظ مواقفه رغم وجود داخل النقابة أطراف مناضلة لها وجهات نظر مختلفة (الموقف الشوفيني من الصحراء، دعم الأطراف المشاركة في الانتخابات المخزنية...).  
 4 – لقد ناضلت الحركة العمالية العالمية من أجل فرض حق النقابات في الاستفادة من خدمات المناضلين النقابيين المحترفين في إطار عملية التفرغ؛ لكننا نلاحظ اليوم أن التفرغ في المغرب قد تحول إلى امتياز يستفيد منه الأشخاص و ليس الحركة النقابية المناضلة. تحول جيش أغلب المتفرغين إلى جيش من  خدام الأطراف السائدة و دعامة للتيارات المهادنة. ليس من مصلحة المتفرغين إثارة غضب القادة النقابيين أو إثارة غضب أجهزة الدولة التي يمكن أن ترجعهم إلى وظائفهم ألأصلية. لقد شكل "التفرع" أرضية خصبة لانتشار النزعات الريعية لدى العديد من الأطر النقابية.
   5 – استفادت في العقدين الأخيرين، خصوصا منذ اتفاق غشت 1996 المشئوم، فئة من موظفي الدولة (خصوصا العاملين داخل قطاع التعليم) من زيادة مهمة في الأجور حولتهم من البرجوازية الصغيرة الساخطة عن الوضع إلى  فئة برجوازية متوسطة محافظة. ينتمي جل اطر النقابات إلى هذه الفئة. فجل الأطر النقابية تتقاضى أجرا صافيا يتجاوز 000 11 درهم شهريا، و هذا المبلغ مهم نسبيا مقارنة مع معدل الأجر في المغرب الذي لا يتجاوز 500 3  درهم ، و مقارنة مع معدل الدخل الفردي الذي لا يتجاوز 000 1 درهم شهريا، و مقارنة مع الدخل الهزيل لملايين المحرومين.
   6- لقد أصبح الجسم النقابي مرتاعا للانتهازية و الوصولية و الزبونية و المحسوبية...و الكل يلاحظ تراجع القيم النضالية و قيم التضحية، و تراجع ممارسة نكران الذات...الخ
   7– انعدام الحد الأدنى من الديمقراطية الداخلية و الشفافية...
 لقد حولت هذه العوامل الموقع الطبقي للقيادات النقابية: من البرجوازية الصغيرة المناضلة إلى برجوازية متوسطة تمارس سياسة التوافق الطبقي، و تنظر "للمقاولة المواطنة" و تتحدث عن رأسماليين صالحين و رأسماليين أشرار، عن رجال المخزن ذوي "النية الحسنة"  مقابل "جيوب مقاومة التغيير" ، و تحارب كل ما هو جذري...  رغم كل هذه المعيقات الموضوعية منها و الذاتية، فلا مفر من الانخراط في الحركة النقابية التي تشكل سلاحا حاسما في الكفاح من أجل التصدي لهجوم الباطرونا، و من أجل فرض مكاسب اقتصادية جديدة.
     يشكل بروز التوجه الديمقراطي من داخل الاتحاد المغربي للشغل، و مناضلين رافضين لبعض أساليب داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، عنصرا ايجابيا يحمل معه آمالا مستقبليا في تشييد حركة نقابية مغربية مكافحة.  
الخلاصة
     إذا كانت مهمة النضال النقابي هو تحسين الوضعية الاقتصادية للكادحين و تلطيف شروط الاستغلال، فان النضال النقابي الجاد يساعد الكادحين على التسلح بفكر التغيير، التغيير السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي – الثقافي، على التسلح بفكر التحرر الفعلي من الاستغلال الرأسمالي؛ و بفعل تجاربهم التنظيمية في الميدان النقابي، فان الطلائع العمالية مؤهلة أكثر من غيرها لبناء أدوات التغيير الثوري، في مقدمتها حزب الطبقة العاملة المؤطر لعموم الكادحين، الحزب الذي بدونه سوف لن يتحقق التغيير المنشود.
   إن انخراط الكادحين في النضال النقابي ضد الباطرونا/الرأسماليين، و في النضال الحقوقي ضد المخزن، ضرورية لفرض مكاسب آنية، ضرورية لتلطيف شروط الاستغلال، لفرض حرية التنظيم، و التعبير، ضرورية كمدرسة يتعلم فيها الكادحون مبادئ و تقنيات التنظيم، قوة التضامن و الوحدة، سلاح الصمود و المقاومة... على أن لا ننسى أو نتناسى أن المهمة التاريخية للطبقة العاملة تكمن في القضاء على الاستغلال (و ليس تلطيف شروط الاستغلال) عبر تحررها و تحرر المجتمع من نمط الإنتاج الرأسمالي المبني على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، و على العمل المأجور الذي ينتج عنه الاستغلال عبر فائض القيمة، الفائض الذي يشكل أصل تراكم الرأسمال و توسيع مجالاته، و تقوية هيمنة البرجوازية على المجتمع,

 مقال كتب سابقا، و تم تحينه يوم الخميس 12 مارس 2015