ضيف جريدة النهج الديمقراطي، العدد 199، النصف الثاني من شهر يوليوز 2015
1- ما هو واقع المديونية وكيف يتم إغراق
الدول بالديون ؟
جواب (على فقير): قبل الجواب عن سؤالكم، يجب الانتباه لكيفية احتساب نسبة المديونية. لتقزيم
هذه النسبة لأغراض سياسية، تقدم العديد من الأوساط نسبا متعلقة بالدين العمومي فقط. إن نسبة
المديونية الحقيقية لبلد ما تحتسب بالطريقة الآتية: الدين العمومي+ ديون الجماعات
المحلية + ديون المؤسسات/المقاولات العمومية، المجموع يقسم على الناتج الداخلي الخام.
تشكل المديونية إحدى أهم وسائل
الهيمنة عالميا، احدي أهم الأسلحة المستعملة لفرض تبعية العديد من البلدان "الضعيفة" للمراكز
الامبريالية. و قد عرفت المديونية ارتفاعا متزايدا منذ بداية الثمانينات، أي منذ
انطلاق مسلسل "سياسة التقويم الهيكلي" و تفكيك القطاعات العمومية.
مسؤولية إغراق الدول في مستنقع
المديونية ترجع بالدرجة الأولى إلى سياسات الأنظمة المحلية، و ذلك عبر حجم النفقات
الغير المبررة مما يسبب عجزا ضخما في الميزانيات، و هنا تتدخل العديد من الجهات
"للمساعدة" عبر قروض مشروطة، تتحمل الشعوب عواقبها فيما بعد.
و للإشارة فان المغرب قد أصبح
يحتل عربيا و إفريقيا الرتبة الأولى في
قائمة الدول الغارقة في المديونية، و ذلك حسب الجريدة المغربية الشبه الرسمية »لومتان/ « LE MATIN الصادرة في 17 فبراير 2015،
العدد 253 2 (و شهد شاهد من أهلها).
2- ما هي الاسباب التي تؤدي بالانظمة الى
الاستدانة ؟
جواب: المديونية مرتبطة
بعجز ميزانية الدولة عامة، و بالميزانية العامة خاصة
موارد الدولة تتلخص في: الضرائب و مداخل ممتلكات الدولة
نفقات الدولة تتلخص
في: نفقات التسيير و الاعتمادات المخصصة للاستثمار
فإذا عجزت الدولة
على تحقيق توازن بين النفقات و الموارد، و ارتفعت نسبة العجز، فهي مضطرة إلى
اللجوء إلى مستنقع المديونية، و ذلك في شروط تحددها موازن القوة، و هي
لن تكون إلا لصالح الدائن. ينتج عن اللجوء إلى القروض تغيير هيكلي في بنية الميزانية
حيث تصبح الموارد مكونة من: الضرائب بما فيها مختلف الرسوم (حوالي 68%
من موارد ميزانية
2015 بالمغرب)، من ممتلكات الدولة (حوالي 5,74%
) ، و من القروض (
( 25,36%. كما تصبح النفقات تتركب
من: نفقات التسيير (61% من نفقات ميزانية
2015 ) ، الاستثمار (17%) ، و تسديد الديون،الأساسي منها و الفوائد،
22%)
).
و الملاحظة
الأساسية هي كون مداخل ممتلكات الدولة بمختلف مكوناتها تشكل أقل من 6% و ذلك ناتج عن عملية الخوصصة. فتفويت للخواص قطاعات مربحة ك "سامير"،
"ريجي طابا"، ساتيام"...الخ قلص بشكل مهول موارد الدولة المغربية،
مما عمق التبعية للمراكز الامبريالية، عبر المديونية. فالمغرب الذي تجاوزت
مديونيته 70% من الناتج الداخلي
الخام، أصبح فريسة بين مخالب المؤسسات الدولية كالبنك الدولي/
BIRD، و الجهوية، كالبنك الافريقي للتنمية BAD/ و البنك الأوربي للاستثمارBEI/ ، و الدول
الامبريالية في مقدمتها فرنسا (حوالي 25% من الديون الثنائية les dettes bilatérales ).
فالأنظمة الوطنية
التي تسعى إلى الحفاظ على استقلال الوطن بكل أبعاد كلمة الاستقلال، تنهج سياسة
الحفاظ على التوازن بين الموارد و النفقات، و ذلك عبر سن ضرائب على الأغنياء (الضريبة
على الثروة، الضريبة التصاعدية على الشركات، رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة
المتعلقة بالكماليات...)، عبر تخفيض الأجور العليا في الوظيفة العمومية، عبر،
تقليص عدد الوزراء، عدد البرلمانيين، عبر تقليص الاعتمادات المخصصة للجيش، و
لمختلف الأجهزة القمعية، ضبط في الحدود المعقولة الاعتمادات المخصصة لرؤساء
الدول....الخ
3- ما هي الانعكاسات المباشرة للمديونية على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية
لشعوب البلدان المستدينة ؟
جواب: في غياب مساهمة القطاع العام، فان للضرائب حدود يصعب تجاوزها، و للقروض
سقوف و شروط يحددها الدائنون، فان أنظمة الدول الغارقة في الديون، تلتجئ إلى
الزيادة في الضرائب الغير المباشرة، و على رأسها الضريبة على القيمة المضافة التي
تتحمل الجماهير الشعبية أعبائها، و تقلص من الاعتمادات المتعلقة بالقطاعات
الاجتماعية كالتعليم، و الصحة، و الشغل، و السكن...الخ، و من الاستثمار المنتج. فالمديونية
عنصر أساسي في توسيع دائرة البطالة، و الفقر، و التهميش، و حرمان الجماهير الشعبية
من حقوقها الاقتصادية و الاجتماعية الأساسية كالتعليم و التطبيب، و السكن، و
الشغل....الخ. من أولويات أنظمة الدول الغارقة في المديونية، البحث عن
قروض جديدة من أجل تسديد القروض القديمة و فوائدها. هذا مستنقع حقيق يستحيل الخروج
منه بحلول ترقيعية.
4- ما هي المقترحات بالنسبة للأفاق فيما يتعلق بمعضلة المديونية؟
جواب: ليست هناك حلولا
سحرية. هناك خياران لا ثلث لهما.
- إما اللجوء إلى
حلول ترقعية، لربح الوقت، كإعادة جدولة الديون مما يزيد الطين بلة، لأن إعادة
جدولة الديون تتم في شروط أكثر اهانة من السابق، أو كاستعطاف الدائنين من أجل
"تشطيب" جزء من الديون، و هذا لا يتم إلا مقابل تنازلات خطيرة تضرب في
العمق السيادة الوطنية.
- إما القيام بثورة
حقيقية تعم ما هو اقتصادي، و اجتماعي، و تبقى هذه الثورة مستحيلة بدون الثورة
السياسية و الثقافية. بدون اقتصاد وطني قوي و متحرر من التبعية للخارج، بدون تأميم
القطاعات الإستراتيجية، بدون فرض الضرائب على الثروات الكبيرة. بدون االغاء (أو
تقليص) الاعتمادات المرصودة للقطاعات الغير المنتجة، و للقطاعات الغير الاجتماعية،
فلا مفر من المديونية. هذه الاجراءات ليست تقنية أو اقتصادية صرفة، بل هي نتيجة
اختيارات سياسية و إيديولوجية، فهي في أخير المطاف اختيارات طبقية. لا إفلات من
مخالب الناهبين/المفترسين خارج طريق التحرر الوطني، و البناء الديمقراطي، و سيادة
الشعب.
على فقير، يوم 10
يوليوز 2015
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire