الحركة
الماركسية اللينينية المغربية
نتاج الصراع الطبقي لما بعد استقلال 1956
المزعوم
أولا:
تطور الصرع الطبقي بين 1956 و مارس 1965
إن
وثيقة الاستقلال الموقعة في 2 مارس 1956 مع فرنسا، والإعلان الإسباني عن تخليها
على شمال المغرب (7 أبريل 1956)، واسترجاع طنجة في 29 أكتوبر 1956، كل هذا جاء
نتيجة المفاوضات التي شملت ثلاثة أطراف: الطرف الاستعماري، و ممثلو
الفئات الاجتماعية المغربية التي استفادت من الاحتلال الاستعماري لتحتل مواقع مهمة
(الملاكون العقاريون، القواد وكبار خدام المخزن والدولة الاستعمارية، المثقفون
الليبراليون أمثال
اكديرة) وممثلو الحركة الوطنية (الجناح
السياسي).
وقـد
بـدأت فعليـا هذه المفاوضـات منـذ 22 غشت 1955 ب"إيكـس ليـبـان" الفرنسيـة
Aix-les-Bains وبتواطؤ
الفئات الاجتماعية المغربية المرتبطة بالاستعمار،
وأمام ضعف ممثلي الحركة الوطنية (خلافات داخلية، انعدام الوضوح في
الرؤية حول المغرب المستقل…)، تمكنت فرنسا من فرض منظورها وشروطها، وفرضت على المغرب
استقلالا شكليا.
وقد تشكلت أول حكومة المغرب المستقل برئاسة مبارك البكاي أحد ممثلي
ركائز الاستعمار الجديد.
1 – من 1956 الى وفاة محمد الخامس1961
انفجر الصراع في البادية بين حزب
الاستقلال (الذي يمثل الحركة الوطنية، والذي كان يعبر عن المطامح المشتركة بين
مختلف طبقات الشعب المغربي بما فيها الفئات البرجوازية المتضررة من سيطرة الرأسمال
الأجنبي) من جهة، وفئات الملاكين العقاريين،الكبار منهم بالخصوص، والأطر العسكرية التي تربت في أحضان
الجيش الاستعماري وساهمت في الحروب الإمبريالية عبر العالم، وكبار موظفي الدولة
الاستعمارية… من جهة ثانية. ويدخل في هذا النطاق تمرد عدي وبيهي في يناير 1957، وعدد من
الموالين للاستعمار والمخزن في عدد من المناطق المغربية.
وتمكنت
هذه الفئات الرجعية، وبتشجيع من أوساط لها امتدادات داخل القصر، من خلق حركة قوية
ضاغطة، شلت فعالية الحكومات المتعاقبة إلى حدود 1961 رغم التواجد العددي الكبير لوزراء
الحركة الوطنية.
وقد
اتخذت هذه الحكومات مواقف مخجلة من عدة
القضايا:
- تشكيل النواة
الأولى من الجيش الملكي في 14 مايو 5619 بتأطير و بقيادة الضباط
الذين تكونوا
داخل الجيوش الاستعمارية و المعادين للفكر التحرري و الشيوعي، وفي غياب أطر جيش التحرير والمقاومة المسلحة.
- قمع انتفاضة
أكتوبر 1956 بمكناس التي احتجت من خلالها الجماهير
الشعبية على اختطاف الاستعمار الفرنسي لقادة جبهة التحرير الجزائرية المتوجهين من الدار البيضاء إلى
تونس على متن طائرة مغربية.
- السكوت على
قرار حل جيش التحرير واعتقال بعض أطره الراديكاليين.
- التواطؤ
المكشوف في عملية "ايكوفيون" التي استهدفت المقاومة المغربية والصحراوية
من طرف فرنسا و إإسبانيا.
- تزكية الحرب
الابادية التي استهدفت سكان الريف والتي قادها الأمير الحسن.
- التزكية
بالصمت منع الحزب الشيوعي
كان حزب الاستقلال في الواقع المعبر السياسي لجبهة طبقية وطنية التفت حول هدف "الاستقلال".
وبعد
1956، طرح السؤال
"ما العمل؟"، و في إطار البحث عن الأجوبة لهذا السؤال قدمت بطبيعة الحال
أجوبة مختلفة تعبر في العمق على تناقض المصالح الطبقية والفئوية.
لم تصمد الحركة الوطنية أمام عناد الصراع الطبقي
: فقيادة جيش التحرير والمقاومة المسلحة التي تعبر موضوعيا عن مصالح الفئات الدنيا
من البرجوازية الصغيرة المدينية والقروية، رفضت الأمر الواقع الجديد ودخلت في تمرد
عن الحزب و عن المخزن في آن واحد، كما اتخذت تقريبا نفس الموقف المركزية النقابية،
الاتحاد المغربي للشغل ألتى كانت
تهيمن فيها الأرستقراطية العمالية (الفئة العليا الأقل تضررا من
الاستغلال)، وقد التحق بكل هؤلاء فئات من المثقفين التقدميين، و فئات اجتماعية
عريضة من البرجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا لينشئ الجميع الاتحاد الوطني
للقوات الشعبية الذي خرج من رحم حزب الاستقلال ، وفي نفس الوقت تنظمت أغلب الفئات الرجعية بقيادة الملاكين
العقارين الكبار الشبه-الإقطاعيين في حزب الحركة الشعبية الذي لقي كل تشجيع ودعم من
طرف القصر.
لقد
تمكن الطرف التبعي لفرنسا بالخصوص من ضبط أهم دواليب الدولة وتنظيم قاعدته الاجتماعية، هذا ما سهل عليه قلب موازين القوة
بشكل نهائي لصالحه، خصوصا وأن الحركة الوطنية قد تفككت نظرا لتناقضاتها الداخلية،
وتذبذب أهم أطرها في اتخاذ موقف واضح من
طبيعة وشكل النظام.
2- من مارس 1961 إلى مارس 1965
توفي محمد الخامس في 2 مارس 1961 إثر عملية جراحية بسيطة، وخلفه الأمير
الحسن الذي ساهم منذ 1956 في أهم الأحداث التي عرفها المغرب
بجانب كبار الضباط أمثال أفقير، المدبوح، امزيان، الكتاني، أمحزون… وبدعم من
المثقفين الليبراليين مثل جديرة، وإدريس السلاوي… وبمجيء الملك الجديد، دخل المغرب عهدا
جديدا عرف تحولات عميقة.
21 - المسألة الدستورية:
لقد
طلب الحسن الثاني من خبراء فرنسيين تهيئ مشروع دستور يشرعن العلاقات المخزنية
السائدة في المجتمع المغربي منذ قرون. وهذا ما وقع فعلا.
إن مشروع الدستور المطروح فوقيا
للاستفتاء الشكلي قد ركز (مثل جميع الدساتير اللاحقة) كل السلط بين يدي الملك.
لقد
صوت حزب الاستقلال لصالح الدستور، وقاطعه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وامتنع عن التصويت الاتحاد المغربي للشغل. نزل القصر بجميع قواه لمنع المعارضين
من التعبير عن موقفهم من الدستور الرجعى المنافي لأبسط مبادئ الديمقراطية.
وقد
شكل هذا الحدث أول انتصار للملك الجديد في سنته الأولى من الحكم.
22- المسألة الانتخابية :
لقد
جرت الانتخابات البرلمانية في السنة الموالية، ورغم تشكيل جبهة واسعة (جبهة الدفاع
عن المؤسسات الدستورية FDIC) من كل ما هو
رجعي في المجتمع (تحت شعار الدفاع عن حزب الملك) وتسخير الدولة لكل إمكانياتها
خدمة لهذه الجبهة، وبمباركة القصر، ورغم القمع الشرس والإرهاب الذي استعمل ضد
المواطنين خصوصا في البوادي، فقد تمكن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب
الاستقلال من الحصول على حوالي 50% من المقاعد.
شكلت هذه النتيجة، هزيمة للنظام، هذا ما دفعه
إلى تصعيد القمع ضد الاتحاد الوطني، وحتى ضد حزب الاستقلال في البادية، مما أدى
إلى موقف موحد بين الحزبين: مقاطعة الانتخابات الجماعية التي جرت خلال السنة
الموالية وأعطت مجالس مشوهة.
23 - التحولات الاقتصادية
والاجتماعية :
يمكن
اعتبار الستينات مرحلة تعميق
بناء اقتصادي رأسمالي تبعي مخزني،
هذا الاقتصاد الذي يسمح لفئات اجتماعية محلية الاستفادة من أنشطة اقتصادية دون المساس بجوهر
مصالح الرأسمالية العالمية.
وهكذا
تمكن الرأسمال النقدي الذي راكمته بعض الفئات المحلية عبرالريع العقاري والأرباح التجارية، والأجور الخيالية، ومن الرشوة ونهب المال
العام... لقد تمكن هذا الرأسمال من أن يتحول إلى رأسمال "منتج" عبر شراء المقاولات من
الأجانب ومن اليهود المغاربة الذين وقعوا في فخ الصهيونية، وعبر المساهمة في
مقاولات أخرى الخ…خصوصا في قطاع
الفلاحة، والصناعة والبناء… كما توسعت دائرة هذا الرأسمال المحلي لتشمل التجارة الداخلية
والخارجية، والعقار الحضري، والقطاع البنكي، وتطوير علاقات التشارك مع الرأسمال
الأجنبي.
231 - التحولات الفلاحية :
لقد
اهتمت الدولة بالقطاع الفلاحي لاعتبارات عدة ومنها:
- إن معظم سكان
المغرب كانوا مرتبطين بالأنشطة الفلاحية، وكانوا دائما خزانا أساسيا للانتفاضات
والتمرد ضد المخزن، وهذا ما يتطلب سياسة جديدة لتأطير البادية.
- كانت الفلاحة،
خصوصا الأنشطة العصرية منها، تشكل ورقة مربحة في العلاقات مع أوربا، في الوقت
الذي تبقى فيها إمكانية
التصنيع محدودة في إطار الاقتصاد التبعي.
- إن أهمية
الأراضي الخصبة التي كانت بين أيادي المعمرين الأجانب (أكثر من 000 800 هكتار) كانت تشكل ثروة هائلة تسيل لعاب المحظوظين المغاربة.
- كانت شريحة
الملاكين العقاريين الكبار (الشبه-الإقطاعيين بالخصوص) تشكل الركيزة
الأساسية للنظام في المغرب بشكل عام (من الناحية السياسية) وفي البادية بشكل خاص
(من الناحية الاجتماعية)، خصوصا وأن جل الأطر العسكرية، وكبار موظفي وزارة
الداخلية ينحدرون من هذه الشريحة.
وقد تجلى تدخل الدولة في النقط
الآتية:
- تسهيل عملية
تفويت أراضي المعمرين وتنظيم هذا التفويت (للخواص وللدولة).
- نهج سياسة
السدود لتوفير ماء السقي، وتوسيع مساحات الأراضي المستغلة.
- تأطير النشاط
الفلاحي بخلق مكاتب جهوية للاستثمار الفلاحي (OMVA)، وتطوير
المصالح المختصة الموجودة سابقا(CT) .
- تشجيع الملاكين
على اقتناء الآلات الفلاحية العصرية (للحرث والحصد والدرس) وعلى استعمال الأسمدة
والبذور الجيدة، و تطوير تقنيات السقي.
- تنظيم بعض
الفلاحين المتوسطين في إطار تعاونيات.
- تقديم القروض
عن طريق مؤسسة "القرض الفلاحي" بشروط امتيازية.
- تشجيع الفلاحة
العصرية (الأرز، القطن، قصب السكر، الشمندر،الحوامض، البواكير…).
- تسهيل التسويق
الخارجي عبر "مكتب التجارة الخارجية".
لقد غيرت هذه السياسة من وجه البادية المغربية،
ويمكن تلخيص المضاعفات الاجتماعية في النقط الآتية:
- التهافت على الأراضي من طرف
المحظوظين (من خارج الدولة ومن داخلها) أدى إلى ظهور فئة الملاكين الكبار العصريين
المرتبطين بالرأسمالية الزراعية. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى شريحتين:
شريحة الملاكين الذين يسهرون على استغلال الأرض (الفلاحون الأغنياء؟) وشريحة
الملاكين العقاريين الذين يشتغلون في ميادين أخرى (كبار الموظفين، التجار…) ويستحوذون على
الريع العقاري نتيجة احتكارهم
للأرض.
- نظرا للأرباح
السريعة والسهلة التي يوفرها النشاط الفلاحي، فقد ظهرت ولو بشكل ضعيف، فئة
الرأسماليين الزراعيين الذين
يكترون الأراضي من أجل استغلالها استغلالا رأسماليا (فهم غير مالكين).
- ساعدت هذه
السياسة على تحويل فئة الملاكين العقاريين الشبه الإقطاعيين من فئة تقليدية تعتمد
الوسائل والعلاقات العتيقة إلى فئة تعتمد الوسائل والتقنيات العصرية والعمل
المأجور الرأسمالي في الاستغلال.
- شجعت هذه
السياسة الكثير من الموظفين السامين، خصوصا العسكريين منهم، من الاستيلاء على أراضي جديدة، كما اهتم
الكثير من البرجوازيين الحضريين بالنشاط الفلاحي كنشاط تكميلي.
و قد كان
الخاسر الأكبر في هذه السياسة هم الفلاحون المتوسطون والصغار، الذين تدهورت وضعيتهم، وشرد الكثير منهم،
فمنهم من
التحق بالطبقة العاملة كعمال زراعيين، ومنهم من هاجر إلى المدينة للبحث عن عمل، وهكذا انتشرت
وازدهرت أحياء، بل، مدن الصفيح.
لقد مكنت سياسة "عصرنة
الفلاحة"، وسياسة السدود فئة من الوصوليين والانتهازيين ومصاصي دماء الكادحين
ومن أفراد القصر وخدامه... من الاستيلاء على أجود الأراضي في البادية المغربية،
واحتكار مياهها، مما أدى إلى تفقير وتهجير الملايين من أصحابها الأصليين.
232 - التحولات الصناعية
لقد حاولت الدولة تطوير بعض القطاعات
الصناعية التي لا تمس جوهر التبعية الاقتصادية، و لضمان نجاح هذه السياسة أنشأت بعض الآليات ومنها كمثال:
- البنك الوطني
للتنمية الاقتصادية BNDE.
- مكتب التنمية
الصناعية ODI.
كما ساهمت في إنشاء وحدات إنتاجية
عمومية أو شبه عمومية كشركة تكرير البترول SAMIR، وSOMACA لتركيب السيارات، ومصانع السكر،
والأسمدة، والنسيج، والإسمنت…
ساعدت هذه السياسة الرأسمال المحلي من احتلال
بعض المواقع في الميدان البنكي والصناعي، إلا أن النشاط الصناعي كان يعتمد بالأساس
على الصناعة التحويلية الخفيفة، وفي مقدمتها الصناعة الفلاحية "Agro-industrie".
إن
البرجوازية المحلية، بفئتيها
الكمبرادورية (المرتبطة بالسوق العالمي) و"الوطنية" (المرتكزة على السوق
الداخلي) تبقى ضعيفة التأثير وتابعة
سياسيا للدولة المخزنية، نظرا لارتباط عملية
توسيع أنشطتها بسياسة الدولة في جل الميادين.
إن سياسة التصنيع هذه قد رفعت من عدد
العمال الذين تدهورت وضعيتهم نظرا لحماية الرأسماليين من طرف أجهزة الدولة، ونظرا
لتعاظم الجيش الاحتياطي من اليد العاملة النازحة من البادية.
ويمكن
كذلك ملاحظة تقلص أهمية الصناعة التقليدية، نظرا لمنافسة منتوجها من طرف المنتوج
الخارجي ومن طرف منتوج الصناعة العصرية، ونتيجة كذلك للتحولات العميقة التي عرفها
الاستهلاك (تغيير الذوق والعادات…)، و نتيجة اكتساح الرأسمالية وسوق
المبادلات النقدية لمختلف مناطق مناطق.
لقد تحول الكثير من الصناع التقليديين
إلى أشباه البروليتاريا، مستعدين للتخلي عن أنشطتهم إذا ما وجدوا عملا قارا في الوحدات الإنتاجية الرأسمالية.
233-
السياحـة:
لقد
شكلت السياحة بالنسبة للدولة الرهان الثاني، بعد الفلاحة وقد حاولت الدولة تشجيع
الاستثمار في هذا القطاع وصرفت أموالا باهظة من أجل تنمية هذا القطاع، وقد أنشئ
لهذا الغرض "القرض العقاري والسياحي" CIH.
شكلت الدولة و المجموعات الأجنبية، أكبر المستثمرين
في هذا القطاع. إلا أن نتائج هذا الاختيار تبقى
محدودة نظرا للارتكاز على سياسة "السياحة الراقية"، ولعجز الدولة على تطوير "المنتوج" السياحي.
234-
التجـارة:
لقد
توسع مجال التجارة الداخلية بارتباط مع
النمو الحضري، وبتطور المبادلات المغربية، وبتطور عقلية وذوق المستهلك المغربي.
استفادت من جهة أخرى فئة من التجار
الكبار من علاقات المغرب الخارجية ومن مغادرة التجار الأجانب للمغرب، فنمت هذه الفئة مصالحها وراكمت أموالا باهظة
صرفتها في العقار بالأساس أو أودعتها
في الأبناك الخارجية، وتتميز هذه الفئة بعقلية المضاربة وانتهاز الفرص الخ…
وفي
الجانب الآخر، نجد التجار الصغار والمتوسطين الذين ينتمون طبقيا للبرجوازية
الصغيرة. و قد تضاعف وبشكل كبير عدد هؤلاء.
3- المقاومة
الشعبية:
لقد
صاحب هذه التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية، صراعات اجتماعية متعددة
الأشكال.
ففي
البادية، كانت حركة الفلاحين تقاوم النهب الذي تتعرض له أراضيهم، هذا من جهة،
وكانت تهدف من جهة أخرى، استرجاع أراضيهم التي استولى عليها المعمرون الأجانب،
والتي فوتت في إطار صفقات مشبوهة للدولة أو المعمرين الجدد (المغاربة)، لقد أدت
هذه الحركات المطلبية والاجتماعية إلى اصطدامات مع أجهزة الدولة ألقمعية أدت إلى استشهاد عدد من الفلاحين (مثال أولاد خليفة بإقليم
القنيطرة سنة 1970).
والملاحظ
أن هذه الحركات غير مؤطرة سياسيا، وأغلبها عفوية، وهذا ما جعلها غير شاملة ومستمرة، وبالتالي لم تؤدي إلى نتائج مهمة.
أما
على المستوى الحضري، فإن الطبقة العاملة الموحدة نقابيا في إطار الاتحاد المغربي
للشغل، قد خاضت نضالات هامة في مختلف القطاعات، وتمكنت بفضل كفاحاتها من تحقيق
نتائج إيجابية كالرفع من الأجور، وتحسين ظروف العمل.
والملاحظ
كذلك أن هذه النضالات قد بقيت سجينة المنظور الاقتصادوي للصراع الذي تبنته القيادة
النقابية منذ بداية الستينات، والذي يعبر في الجوهر على منظور الأرستقراطية العمالية (الفئة العليا من المستخدمين الذين
يتمتعون بامتيازات مهمة)، وكانت أغلب الإضرابات قاعدية وعفوية، تفرض نفسها
على الإطارات البيروقراطية.
و يمكن تسجيل كدالك أن العمال، كطبقة لم يلعبوا دورهم السياسي القيادي في الصراع
ضد الحكم وقاعدته الاجتماعية، نظرا لافتقارهم للأدوات التنظيمية المسلحة بالفكر الاشتراكي الماركسي –اللينينى.
عرفت
نفس الفترة، أي بين 1960 و 1971، محاولات
التيارات الثورية الاتحادية قيادة الكفاح المسلح ضد الحكم بدون جدوى، وأهمها
محاولة تيار شيخ العرب الذي استشهد في ساحة المعركة، صيف 1964.
إلا
أن الحدث البارز في تلك المرحلة يبقى هو الانتفاضة الشعبية في مارس 1965، والتي انطلقت شرارتها من الدار البيضاء. وقد استعمل فيها الحكم مختلف أسلحة لقتل عشرات الأبرياء.
والملاحظ
أن الانتفاضة كانت عفوية.
وقد تخاذلت مختلف القوى السياسية في التعامل معها.
لم تنشف بعد شوارع الدار البيضاء من
دماء الشهداء، حتى طلب الحسن الثاني من قادة الأحزاب السياسية، وفي مقدمتهم علال
الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعته، الالتحاق
بإفران للتشاور و تجديد الولاء، وقد أتضح أن هؤلاء قد لعبوا في تلك المرحلة والمراحل اللاحقة
دور "رجال المطافئ"، يستعين بهم القصر عند الضرورة.
إن قيادة الحركة الوطنية، نظرا
لطبيعتها البرجوازية المتوسطة والصغيرة، ونظرا لأوهامها الإصلاحية، قد أخطأت أهم مواعيدها
مع التاريخ، وأوقعت
بالآلاف من المناضلين في مستنقعات التوافقات والعمالة الطبقية.
لم
تتمكن قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب التقدمي الجماهيري، ولو في لحظة معينة من تجنيد الجماهير بشكل عام، ومنا ضليها
بشكل خاص ضد الحكم رغم مؤامراته المتعددة
( 63-64-65-67-70...الخ) ضد الحزب، و رغم
سياسة التصفيات الجسدية التي كانت تقوم بها أجهزته (حالة الشهيد المهدي
بنبركة).
إن
قيادة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة لحركة النضال ضد الحكم منذ أواخر الخمسينات لم
تكن في مستوى طموحات الشعب المغربي، وقد أدى تذبذبها وتخاذلها في الكثير من الأحيان إلى تراجعات و إحباطات خطيرة.
ثانيا - انتفاضة 23 مارس 1965
المجيدة
شكلت انتفاضة مارس 1965 أول انتفاضة شعبية ضد
النظام، و بداية وعي الشباب بالعجز الطبقي لمكونات الحركة الوطنية في قيادة
المقاومة الشعبية.
كان حلم الشعب المغربي كبيرا خلال النضال
التحرري قبل 1956، لكن الطبيعة الطبقية للحركة الوطنية حالت دون تحقيق تلك المطامح
المشروعة، نظرا لتعاقدها مع القصر الذي أصبح يستند قوته الأساسية ، زيادة على
تبعيته للامبريالية، من طبقة ملاكي الأراضي الكبار الشبه-الإقطاعيين (امحزان،
امهراق، لحسن اليوسي، أحرضان، مبارك البكاي...)، من الأطر العسكرية التي تكونت في
أحضان الجيوش الاستعمارية (افقير، الكتاني، امزيان، حمو امحزون....)، و من
المثقفين الليبراليين المرتبطين بفرنسا أمثال كديرة...الخ
بعد وفاة محمد الخامس، تمكن القصر من حسم
خلافاته التي ظهرت بعد 56 مع الحركة الوطنية، و ذلك خلال سنوات 61/62/63 عبر فرض
دستوري لا ديمقراطي، و إجراء انتخابات مزورة، و قمع الحركة الاتحادية عبر مؤامرة
1963، عبر الاغتيالات (اغتيال شيخ العرب غشت 6419، اختطاف المهدي
بن بركة أكتوبر 1965...)...الخ
لقد اتضحت للشباب المنحدر من الطبقات الشعبية
الطبيعة اللاشعبية، و اللاديمقراطية و اللاوطنية لنظام ما بعد الاستقلال، مما جعل
من مذكرة وزير التربية الوطنية، يوسف بلعباس، الشرارة التي فجرت غضب الشبيبة
المدرسية، قبل أن يمتد لهيب النار إلى مناطق و فئات أخرى.
و لإخماد غضب المنتفضين، التجأ النظام إلى
ارتكاب مجازر لا يمكن نسيانها، مستعملا في ذلك دبابات، و مروحيات، زيادة على
الجحافل العسكرية التي تقتل في دروب و في أزقة الدار البيضاء، تغتصب، و تنهب...الخ
شكلت أحداث شهر مارس 1965، قطيعة الشباب مع
النظام الملكي، و منعطف في علاقة الشباب مع قيادة الحركة الوطنية (علال الفاسي،
عبد الرحيم بوعبيد، على يعته...الخ) التي لبت دعوة الحسن الثاني و انتقلت إلى افران
للعب دور رجال المطافئ، و هذا في القوت الذي لم تنشف فيه بعد شوارع الدار البيضاء
من دماء الشهداء.
شكلت انتفاضة مارس 65 المجيدة تحولا
أساسيا في وعي الشباب المغربي، وزلزالا حقيقيا داخل الأحزاب التقدمية (الاتحاد
الوطني للقوات الشعبية، والحزب الشيوعي المغربي)،
نظرا لتخاذل قيادتها. لقد اتضح للعديد من المناضلين المتحزبين والغير المتحزبين أن
فشل النضال ضد النظام يرجع بالأساس إلى الطبيعة الطبقية البرجوازية الغير المؤهلة
لقيادة هذا النضال، وهذا ما دفع بالعديد من الثوريين إلى بناء خلايا ثورية داخل
الحركة الاتحادية، و أنوية ماركسية- لينينية
مستقلة أعطت فيما بعد منظمات "23 مارس"، "إلى الأمام" و "لنخدم
الشعب".
ثالثا
– نشأة الحركة الماركسية اللينينية عامة
و منظمة "الى الأمام" خاصة
لقد شكل بروز الحركة الماركسية اللينينية
المغربية (مارس 1970 بالنسبة لمنظمة " 23 مارس" و 30 غشت 1970 بالنسبة
لمنظمة "إلى الأمام") تحولا نوعيا في الصراع السياسي بالمغرب.
احتد الصراع
داخل الحزب الشيوعي المغربي غداة انتفاضة مارس 1965، نظرا لموقفه المتخاذل تجاه
الانتفاضة، و نظرا لذيليته للحزب الشيوعي السوفياتي، كما تعمق هذا الصراع عندما
أقدمت قيادته، بدون نقاش داخلي، على تغيير اسم الحزب – من الحزب الشيوعي إلى
"حزب التحرر و الاشتراكية" – و تبني شعار "الله الوطن الملك".
انسحبت مجموعة
أولى بزعامة الشهيد بوعبيد حمامة (67/68)، تبعتها مجموعة صغيرة سنة 1969 بقيادة
محمد الكرفاتي، ناهيك عن الانسحابات الفردية.
لقد بقي أغلب
المعارضين للخط السائد داخل الحزب يخوضون صراعا فكريا و سياسيا من داخل الهياكل
إلى حدود صيف 1970، حيث اجتمعت العشرات من المناضلين و قررت الانسحاب الجماعي و
تشكيل منظمة جديدة، عرفت في البداية ب"منظمة أ"ن ثم بعد ذلك باسم
"منظمة إلى الأمام" الماركسية اللينينية، و ذلك يوم 30 غشت 1970. و قد
انبثقت عن هذا التجمع التأسيسي "لجنة مؤقتة للتنسيق الوطني" مكونة من
السرفاتي، اللعبي، بلخضر، بنعدي، بنعيم، المنصوري، فقير. سنة و نصف من بعد، انعقدت
أول ندوة وطنية/المؤتمر (31 دجنبر 1971 -1 يناير 1972)، انبثقت عنها لجنة وطنية، و
سكرتارية وطنية مكونة من السرفاتي، اللعبي، أمين، زروال و المشتري. ابتداء من مارس
1973، أصبحت "المنظمة "أ" تحمل اسم "منظمة إلى الأمام".
يمكن إبراز المرتكزات الأساسية لمرجعية/بوصلة منظمة
"إلى الأمام" في النقط الآتية (أنظر وثيقة "سقطت الأقنعة فلنفتتح
طريق الثورة").
-
عجز القيادات الإصلاحية التقليدية على قيادة و تأطير الجماهير الشعبية في نضالها
من أجل التحرر من السيطرة الامبريالية و من النظام المخزني الرجعي.
-
غياب التنظيم المستقل للطبقة العاملة المسلح بفكرها الشيوعي لقيادة الجبهة الطبقية
المناهضة لنظام البرجوازية الكبرادورية و الملاكين العقاريين الكبار، لضمان انجاز
الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية (تشييد جمهورية مجالس العمال و الفلاحين
الفقراء)على طريق الثورة الاشتراكية (تشييد دكتاتورية البروليتاريا) في أفق
المجتمع الشيوعي (تضمحل فيه الدولة كجهاز طبقي) الخالي من الطبقات الاجتماعية و
الذي ينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان.
-
شكلت الماركسية اللينينية و إسهامات ماو تسي تونغ المرجعية الإيديولوجية للمنظمة.
-
شكل واقع التشكيلة الاجتماعية (مختلف الطبقات المتواجدة و علاقات
الإنتاج السائدة)، و طبيعة التناقضات المحركة للصراع السياسي و الفكري،
و الهيمنة الامبريالية... أهم العناصر التي أسست لنظرية : مرحلة الثورة الوطنية
الديمقراطية الشعبية على طريق الثورة الاشتراكية في أفق تشييد مجتمع تنعدم فيه
الطبقات الاجتماعية، المجتمع الشيوع الخالي من استغلال الإنسان للإنسان.
-
تبني إستراتيجية العنف الجماهيري الواعي و المنظم (خلافا للعقليات الانقلابية و
النخبوية التي كانت سائدة آنذاك في العالم العربي)، و هذا ما تطلب الانخراط الفعلي
في الكفاح الجماهيري اليومي: تأطير الحركة التلاميذية بواسطة النقابة الوطنية
للتلاميذ، قيادة الحركة الطلابية بواسطة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المساهمة
النضالية في الاتحاد المغربي للشغل، ربط علاقات نضالية مع العمال الزراعيين و
الفلاحين الفقراء، المساهمة في تأسيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، المساهمة
في تأسيس أول لجنة حقوقية لمناهضة القمع في المغرب...
-
تسطير الارتباط النضالي و وحدة المصير مع شعوب العالم العربي، و أهمية النضال
التحرري الوطني للشعب الفلسطيني في مواجهة الصهيونية و الامبريالية و الرجعية
العربية.
-
تسطير الارتباط النضالي و التضامن ألأممي مع الحركات العمالية و التقدمية العالمية
في مواجهة الامبريالية والرأسمالية.
-
تسطير الاستقلال السياسي و التنظيمي و المالي تجاه مختلف التيارات و التكتلات
العالمية.
كانت الحركة الماركسية اللينينية المغربية
بمختلف فصائلها أول من عبر عن مساندتها للمناضلين الصحراويين في نضالهم المشروع ضد
الاستعمار الاسباني و في كفاحهم الوطني، و هذا ما عبرت عنه الحركة الطلابية إبان المؤتمر
الخامس عشرة للاتحاد الوطني للطلبة المغرب الذي انعقد في غشت 1972. لم تخطئ منظمة
"إلى الأمام" موعدها مع التاريخ عندما عبرت على موقف "حق الشعب
الصحراوي في تقرير مصيره بنفسه" سنة 1974 ،و واقع اليوم الذي يتسم بالمأزق
الذي وصل إليه ملف الصحراء الغربية و الكلفة الاقتصادية و الاجتماعية الباهظة التي
أدى و يؤدي الشعب المغربي فاتوراتها المتعددة، يبرهن عن سدادة ذلك
الموقف.
و من العوامل
الثانوية التي لعبت دورا ايجابيا في توعية الشباب المغربي نذكر: الثورة الثقافية
الصينية، ظهور اليسار الفلسطيني، انتفاضة مايو 1968 الطلابية بفرنسا...الخ
45 سنة بعد نشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية،
فان مهامها الأساسية تبقى راهنية، لأن النظام السائد لم يتغير في جوهره، و لأن
وضعية الجماهير الشعبية عامة، و وضعية الكادحين خاصة ازدادت تدهورا.
على فقير