jeudi 12 mars 2015

نبذة عن مسار الحركة النقابية المغربية :تاريخ و واقع اليوم


نبذة عن مسار الحركة النقابية المغربية
تاريخ و واقع اليوم
(على فقير)
    تعيش اليوم الحركة النقابية المغربية أزمة متعددة الأوجه يصعب عدم الاعتراف بها، و من مظاهر الأزمة:
- تدني نسبة التنقيب التي أصبحت تحت عتبة  10 في المائة
- عدد النقابات القانونية يتجاوز 20 إطار
- ضعف التضامن الوطني و القطاعي و حتى على مستوى النقابة الوحيدة
- اختيار القيادات النقابية اعتمادا على أسلوب الكواليس و العلاقات الشخصية و التوافقات المشبوهة مع خصوم الطبقة العاملة في مواجهة قضايا العمال.
- رفض الانفتاح على كادحي القطاعات المتسمة " بالهشاشة" نظرا لصعوبة تحقيق المكاسب الآنية
- تبني القيادات النقابية للخطاب الديماغوجي حول " المقاولة المواطنة"، و " التشاروكية" و "السلم الاجتماعي"... و اعتماد الخطاب الشوفيني المقيت حول "القضية الوطنية" و طمس التناقضات الطبقية الفعلية...الخ
و قد انعكس سلبيا كل هذا على كفاحية الطبقة العاملة و على مردودية نضالاتها المتسمة في غالب الأحيان بالعفوية. فكيف يمكن تفسير تراجع الحركة النقابية المغربية و سقوط قياداتها في مستنقع الانتهازية  و الذيلية للبعض و الانهزامية بالنسبة للبعض الآخر؟
بروز الحركة النقابية المغربية.
    برزت الطبقة العاملة المغربية مع دخول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى المغرب الذي صاحب عملية استعماره  من طرف فرنسا بالخصوص. و رغم منع التنظيم النقابي على العمال الغير الأوروبية فقد انخرط العمال المغاربة في الاتحادات النقابية المؤطرة أساسا من طرف المناضلين الشيوعيين. و قد لعب الكادحون المغاربة أدوارا مهمة في الحركة العمالية إبان الثلاثينات و الأربعينات، و انضم العديد منهم إلى الحزب الشيوعي المغربي، إلا أن تذبذب مواقف هذا الحزب من عدة قضايا و في مقدمتها النضال من أجل الاستقلال فوت عليه فرصة التجذر داخل الطبقة العاملة و فقدته قيادة النضال التحرر الوطني في أفق البناء الاشتراكي. هذا ما يفسر التحاق الطبقة العاملة المغربية بالحركة الوطنية تحت قيادة البرجوازية الوطنية، و الابتعاد تدريجيا عن الاتحادات النقابية الشيوعية المرتبطة بالكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية. توج هذا المسار بميلاد الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 بقيادة مناضلين وطنيين مغاربة بعيدين كل البعد عن مرجعية الطبقة العاملة و عن أهدافها البعيدة المدى.
بداية الصراع الفكري حول دور الحركة النقابية
في النضال السياسي
   لقد شكل، غداة استقلال 1956، الاتحاد المغربي للشغل و رجال المقاومة و جيش التحرير و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ركائز يسار حزب الاستقلال، مما قوى موقع الجناح التقدمي داخل قيادة هذا الحزب و ساعده على تقوية موقعه في الواقع السياسي المغربي إبان انفصاله  و تشكيله لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. تعرضت الحركة النقابية المغربية لأول مبادرة التقسيم، و ذلك بعد تشكيل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب من طرف حزب الاستقلال، و ذلك بداية من سنة 1959، إلا أن هذه المبادرة  بقيت دون تأثير كبير. برز داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية موقفان حول العلاقة بين الحزب و النقابة و حول دور النقابة في الصراع السياسي. لقد أعتبر الطرف الأول أن النقابة جهاز تابع للحزب، و عليها أن تدافع عن مواقفه مهما كانت الظروف، و من المدافعين عن هذا الطرح  يمكن سرد أسماء المهدي بنبركة و الفقيه البصري و عبد الرحيم بوعبيد؛ أما  الطرف الثاني، الذي كان يتحكم عمليا في أجهز النقابة، فكان يدافع عن "استقلالية" النقابة و "حيادها" في الصراع السياسي الدائر في المجتمع، و من المدافعين عن هذا الرأي يمكن التذكير بمحجوب بن الصديق و عبد الله ابراهيم. لقد بقي النقاش حول دور الحركة النقابية حبيسا بين طرح "الالحاقية" العمياء و طرح الاقتصادويةّ/الخبزية الضيقة، و يلتقي الطرحان في معاداة الفكر الشيوعي، فكر الطبقة العاملة، و في رفض الاعتراف بطبيعة الطبقة العاملة كطبقة حاملة موضوعيا لمشروع مجتمعي متكامل، بخصوصية مصالحها و بضرورة استقلاليتها السياسية و الفكرية...لأن ما كان يهم مختلف منظري الحركة الاتحادية هو جهاز نقابي لا طبقي يستعمل كورقة ضغط في المعادلات الداخلية و في الصراع مع النظام.
انطلاق عملية التشتت النقابي
   بعد ميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959 من رحيم حزب الاستقلال، و تخلص ا.م.ش من سيادة حزب الاستقلال، بادر هذا الأخير إلى تشكيل نقابة جديدة بداية سنة 1959 تحت اسم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، و مع احتداد الصراع بين أجنحة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بادر البعض إلى خلق نقابات قطاعية مستقلة عن ا.م.ش مثل النقابية الوطنية للبريد، و النقابة الوطنية للتعليم...
   بادرت الحركة الشعبية بدعم من الدولة إلى خلق نقابة على أسس عنصرية تحت اسم "النقابات الشعبية..." فشلت في اختراق الشغالين خصوصا بعد محاولاتها الفاشلة في أواخر الستينات.   
أدى احتداد الصراع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى انقسام 1972 (ظهر "اتحاد الرباط" و "اتحاد الدار البيضاء") مما أدى من بعد إلى الاحتفاظ باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من طرف التيار المرتبط بالنقابة، و شكل الطرف الآخر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و بادر هذا الأخير إلى تشكيل نقابة جديدة للتحكم في مختلف دواليبها تحمل اسم "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل" – ك.د.ش، و عرفت العقود الأخيرة ميلاد العديد من النقابات، حيث يتجاوز عددها اليوم 20 إطارا أغلبها لا يمثل في الواقع شيئا. لقد لعبت الدولة/القصر من خلال الأحزاب الإدارية، و الحركة الاتحادية من خلال الأحزاب المفرخة عنها الدور الأساسي في تشتيت الحركة النقابية المغربية. فمن جهة لا يمكن للدولة و من ورائها البرجوازية الرأسمالية أن تقبل بوجود حركة نقابية موحدة، مكافحة و قوية، و من جهة ثانية لا يمكن للعقلية الاتحادية بطبيعتها البرجوازية الإصلاحية أن تستمر في إلاطارات الجماهيرية  الخارجة عن هيمنتها.
لماذا تراجعت نضالية أ.م.ش و ك.د.ش؟
   يمكن الحديث  ميدانيا عن 5 نقابات: امش (  المستقلة بجناحيها عن الأحزاب السياسية)، كدش (التابعة نسبيا لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، فدش (التابعة بجناحيها للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الاتحاد الوطني المغربى للشغل (التابع لحزب العدالة و التنمية) و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (التابع لحزب الاستقلال)؛ و تبقى امش و كدش النقابتين التقدميتين الأكثر تمثيلا و الأنشط نضاليا، و قد اختارت مختلف القوى التقدمية المعارضة للمخزن دعمهما تنظيميا و كفاحيا مع تشجيع كل المبادرات التي  تخدم الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية.   
  عرفت امش و كدش المناضلتان تراجعا واضحا كميا و عدديا. فكيف يمكن تفسير هذا التراجع؟ و في إطار النقاش الدائر حول أسباب هذا التراجع، سأحاول تركيز مقاربتي في النقط الآتية.  
 – لقد عرف النظام الرأسمالي العالمي تحولات كبيرة في العقدين الأخيرين أدت إلى اختلال الموازن بشكل كبير لصالح الرأسمال و ذلك على حساب قوة العمل: هشاشة العمل، ضرب المكاسب، صعوبة تحقيق انتصارات نقابية...الخ
 - وقوف الدولة بشك واضح و بدون تحفظ بجانب  البرجوازية الرأسمالية و ملاكي الأراضي الكبار عبر القمع المباشر للكادحين، و عبر سن قوانين جديدة تحاصر العمل النقابي تدعيما للباطرونا.
– ارتفاع كبير (لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية) للجيش الاحتياطي الصناعي و ذلك نتيجة عجز الرأسمالية على استيعاب ملايين الباحثين و الباحثات عن العمل، و نتيجة تراجع عملية التوظيف العمومي المرتبطة بسياسة تقليص نسبة الميزانيات الخاصة بالخدمات الاجتماعية (التعليم، الصحة، السكن، التشغيل...). إن ارتفاع عدد المعطلين يشكل عامة عنصرا يقوي حرب الرأسماليين على النضال النقابي الجاد.  
  هذه بعض الأسباب الموضوعية التي تفسر نسبيا تراجع الحركة النقابية المغربية، لكنها تبقى أسبابا ثانوية مقارنة مع العناصر الذاتية المرتبطة بالتحولات الداخلية التي عرفتها النقابتين امش و كدش و الاختيارات الجديدة التي تبنتها قيادتيها نقابيا و سياسيا. و يمكن تركيز هذه العوامل الذاتية في النقط الآتية. 
 1- استمرار، بل تعميق الفكر المناهض لكل مبادرة تسعى إلى الرفع من مستوى الوعي الطبقي لدى العمال
 2- سيادة الفكر الانعزالي لدى قيادة الاتحاد المغربي للشغل (التوجه السائد في الأمانة الوطنية) الذي يحدد مهمة الحركة النقابية في النضال من أجل "الخبز" و يزرع داخل الكادحين النفور من النضال السياسي .
  3- سيادة الفكر الاتحادي "الالحاقي" داخل  قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي تتعامل مع النقابة كجهاز ذيلي للحزب يتتبنى يدون تحفظ مواقفه رغم وجود داخل النقابة أطراف مناضلة لها وجهات نظر مختلفة (الموقف الشوفيني من الصحراء، دعم الأطراف المشاركة في الانتخابات المخزنية...).  
 4 – لقد ناضلت الحركة العمالية العالمية من أجل فرض حق النقابات في الاستفادة من خدمات المناضلين النقابيين المحترفين في إطار عملية التفرغ؛ لكننا نلاحظ اليوم أن التفرغ في المغرب قد تحول إلى امتياز يستفيد منه الأشخاص و ليس الحركة النقابية المناضلة. تحول جيش أغلب المتفرغين إلى جيش من  خدام الأطراف السائدة و دعامة للتيارات المهادنة. ليس من مصلحة المتفرغين إثارة غضب القادة النقابيين أو إثارة غضب أجهزة الدولة التي يمكن أن ترجعهم إلى وظائفهم ألأصلية. لقد شكل "التفرع" أرضية خصبة لانتشار النزعات الريعية لدى العديد من الأطر النقابية.
   5 – استفادت في العقدين الأخيرين، خصوصا منذ اتفاق غشت 1996 المشئوم، فئة من موظفي الدولة (خصوصا العاملين داخل قطاع التعليم) من زيادة مهمة في الأجور حولتهم من البرجوازية الصغيرة الساخطة عن الوضع إلى  فئة برجوازية متوسطة محافظة. ينتمي جل اطر النقابات إلى هذه الفئة. فجل الأطر النقابية تتقاضى أجرا صافيا يتجاوز 000 11 درهم شهريا، و هذا المبلغ مهم نسبيا مقارنة مع معدل الأجر في المغرب الذي لا يتجاوز 500 3  درهم ، و مقارنة مع معدل الدخل الفردي الذي لا يتجاوز 000 1 درهم شهريا، و مقارنة مع الدخل الهزيل لملايين المحرومين.
   6- لقد أصبح الجسم النقابي مرتاعا للانتهازية و الوصولية و الزبونية و المحسوبية...و الكل يلاحظ تراجع القيم النضالية و قيم التضحية، و تراجع ممارسة نكران الذات...الخ
   7– انعدام الحد الأدنى من الديمقراطية الداخلية و الشفافية...
 لقد حولت هذه العوامل الموقع الطبقي للقيادات النقابية: من البرجوازية الصغيرة المناضلة إلى برجوازية متوسطة تمارس سياسة التوافق الطبقي، و تنظر "للمقاولة المواطنة" و تتحدث عن رأسماليين صالحين و رأسماليين أشرار، عن رجال المخزن ذوي "النية الحسنة"  مقابل "جيوب مقاومة التغيير" ، و تحارب كل ما هو جذري...  رغم كل هذه المعيقات الموضوعية منها و الذاتية، فلا مفر من الانخراط في الحركة النقابية التي تشكل سلاحا حاسما في الكفاح من أجل التصدي لهجوم الباطرونا، و من أجل فرض مكاسب اقتصادية جديدة.
     يشكل بروز التوجه الديمقراطي من داخل الاتحاد المغربي للشغل، و مناضلين رافضين لبعض أساليب داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، عنصرا ايجابيا يحمل معه آمالا مستقبليا في تشييد حركة نقابية مغربية مكافحة.  
الخلاصة
     إذا كانت مهمة النضال النقابي هو تحسين الوضعية الاقتصادية للكادحين و تلطيف شروط الاستغلال، فان النضال النقابي الجاد يساعد الكادحين على التسلح بفكر التغيير، التغيير السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي – الثقافي، على التسلح بفكر التحرر الفعلي من الاستغلال الرأسمالي؛ و بفعل تجاربهم التنظيمية في الميدان النقابي، فان الطلائع العمالية مؤهلة أكثر من غيرها لبناء أدوات التغيير الثوري، في مقدمتها حزب الطبقة العاملة المؤطر لعموم الكادحين، الحزب الذي بدونه سوف لن يتحقق التغيير المنشود.
   إن انخراط الكادحين في النضال النقابي ضد الباطرونا/الرأسماليين، و في النضال الحقوقي ضد المخزن، ضرورية لفرض مكاسب آنية، ضرورية لتلطيف شروط الاستغلال، لفرض حرية التنظيم، و التعبير، ضرورية كمدرسة يتعلم فيها الكادحون مبادئ و تقنيات التنظيم، قوة التضامن و الوحدة، سلاح الصمود و المقاومة... على أن لا ننسى أو نتناسى أن المهمة التاريخية للطبقة العاملة تكمن في القضاء على الاستغلال (و ليس تلطيف شروط الاستغلال) عبر تحررها و تحرر المجتمع من نمط الإنتاج الرأسمالي المبني على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، و على العمل المأجور الذي ينتج عنه الاستغلال عبر فائض القيمة، الفائض الذي يشكل أصل تراكم الرأسمال و توسيع مجالاته، و تقوية هيمنة البرجوازية على المجتمع,

 مقال كتب سابقا، و تم تحينه يوم الخميس 12 مارس 2015


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire