"إلى الأمام" المدرسة
منظمة
"إلى الأمام"، كالحركة الاتحادية، و المنظمات الماركسية الأخرى، نتاج واقع
الصراع الطبقي خلال الستينات و السبعينات. أفرزها الواقع الموضوعي كنقيض للاستبداد
المخزني. ولدت من رحيم التشكيلة الاجتماعية المغربية.
ابتداء من
1973/74، تمكن النظام من تدجين العديد من القيادة المعارضة، مستعملا في ذلك أسلحته
المعهودة: القمع (العشرات من الإعدامات، من الاختطافات، آلاف من المعتقلين، تشريد
قبائل و المئات من الأسر...)، آلاف من أئمة "الله ينصر السلطان و اهدن
الأوطان"، ارتشاء فئات واسعة من البرجوازية المتوسطة "المثقفة"،
توزيع امتيازات ريعية (من "لاكريما" إلى ضيعة فلاحية إلى سفينة الصيد...)،
"توشيح" بالأوسمة من مختلف الأصناف "فنانين" و
"زعماء" سياسيين...و قد صاحبت هذه السياسة سيرورة إفقار أوسع الجماهير
الشعبية، و نهب خيرات البلاد، و إفراغ التعليم من العلم و الفكري أللتنويري: حذف
مادة الفلسفة، تحويل ماد التاريخ من تاريخ الإنسانية، و من تاريخ تجارب الشعوب، إلى
مادة خاصة بالتاريخ الرسمي المزيف، إلى تاريخ سلالات السلاطين، و هكذا يتحدث
التاريخ المدروس عن السلطان مولاي حفيظ الذي سهل دخول الاستعمار مع تغييب البطل عبد الكريم
الخطابي الذي قاوم هذا الاستعمار...
و منذ أواسط السبعينات، و رغم استمرار المقاومة
الشعبية، فقد التحقت أهم قوى المعارضة بجبهة البلاط (الاتحاد، التقدم و الاشتراكية،
تيارات ماركسية)، و كما "تكره الطبيعة الفراغ"، فان الصراع الطبقي يكره
الاستسلام، مما فتح المجال أمام الإسلام السياسي بجناحيه: جناح معارض للنظام و
جناح من صنع النظام لمواجهة كل ما هو تقدمي. فكل مساحة تنسحب منها القوى التقدمية،
تتحول إلى "أرض خلاء"يستعمرها النظام و امتداداته أو تحتلها القوى الإسلامية.
في بحر هذه التحولات السياسية-الاجتماعية-الاقتصادية-الإيديولوجية،
صمدت منظمة "إلى الأمام" وسط "هيجان" هذا البحر، و فضلت الاتجاه
المعاكس للاستسلام و الخنوع.
و ها نحن
اليوم، في النهج الديمقراطي، لازلنا راكبين قطار الجماهير، قطار المقاومة الشعبية،
بنفس الروح القتالية، بنفس المبادئ، بنفس الأهداف الإستراتجية التي ميزت منظمة
"إلى الأمام" العظيمة.
و بمناسبة
الذكرى 47 لتأسيس منظمة "إلى الأمام" الثورية، أقول لرفيقاتي و لرفاقي
في النهج الديمقراطي، فزيادة على أيدلوجيتها الثورية، و أهدافها الإستراتيجية
التحررية، و مبادئها الراسخة، فان قوة و عظمة منظمة "إلى الأمام" تتجلى كذلك في نوعية مناضلاتها و مناضليها، التي
تتميز عامة: بالصلابة، بنكران الذات، بالاستعداد الدائم للتضحية بأغلى ما يملكون، بالإخلاص
لقضايا الجماهير الشعبية عامة، و لقضايا الطبقة العاملة خاصة، بالتواضع الإنساني-الشيوعي،
بالصدق...فعلينا أن طرح قبل النوم السؤال الآتي: "ماذا قدمت اليوم لمقاومة
الكادحين عامة، و للنهج الديمقراطي خاصة"؟. كما نرفض فتات النظام المخزني و
هداياه المسمومة، كما رفضنا "التعويض" على سنوات الاختطاف و السجن، فإننا
لا نبحث اليوم عن مقابل لتضحياتنا خدمة لثورة المستضعفين.
علينا أن
نبتعد عن كل ما يبعدنا عن الكادحين، أن نبتعد عن سلبيات الواقع اليوم: عن الحانات/البارات،
عن المخدرات، عن الإساءة للمرأة عامة و للمناضلات خاصة، عن نميمة المقاهي، عن
الثرثرة العنترية...أن نركز انتقاداتنا على النظام المخزني، النظام المسؤول الأول
على كل مآسي الشعب المغربي، أن نشجع (داخل النهج الديمقراطي، داخل المعارضة، داخل
المقاومة الشعبية) المبادرات الايجابية، أن نسعى دائما إلى البناء بدل محاولة الهدم،
و هذا لا ينفى الصراع الفكري و السياسي المبني على أساس مبدأ الوحدة-النقد-الوحدة.
ليس هناك
اليوم مقياس صحة ما نقوله خارج "المردودية" التنظيمية، خارج استقطاب
ضحايا الاستبداد المخزني، ضحايا الرأسمالية، ضحايا الهشاشة...فثرثرة المقاهي تبقى
"هضرة خاوية" خارج ربح ثقة طلائع المقاومة الشعبية.
التوعية، التأطير،
التنظيم، التصليب، التجدير، المقاومة الشعبية، كلها تتحقق عبر الانخراط اليومي في
المعارك الميدانية، عبر الانخراط في مختلف جبهات الصراع الطبقي، عبر اغناء النظرية
الثورية المستمر انطلاقا من التحولات التي يعرفها الواقع بكل تعقيداته و من خلال
الممارسة الميدانية لتوجيه التغيرات الجارية في الاتجاه الصحيح.
إننا نتوصل
يوميا عبر مختلف وسائل الاعلام، عبر مراسلات المناضلات و المناضلات، بصفحات تدون
بطلات الجماهير الشعبية في الريف الشامخ، في مناطق تازة، وزان، أزيلال، بني ملال،
ميدلت، كرامة، الرشيدية، ايملشيل، ايمي نتانوت، في كريانات ادار البيضاء،
المحمدية، ضحايا العطالة عبر مختلف جهات المغرب...نتوصل بمعطيات حول انخراط المرأة
المغربية الكادحة في معمعة الصراع الطبقي.
صفحات المقاومة،
صفحات المجد، صفحات كتبت العديد منها بدماء الشهداء، بدموع الأطفال، بجروح
الشباب...صفحات تحمل أسماء المئات من ضحايا الاعتقال السياسي...
نتوصل يوميا
بدروس و دروس. فهل نحن في مستوى الاستيعاب، في مستوى الاستخلاص، في مستوى تطوير
ممارستنا في الاتجاه الصحيح؟
لقد أخطأت
قوى التغيير مواعدها مع التاريخ في الريف و في مناطق أخرى. ألم يحن الوقت لتصحيح
الأخطاء؟ فبدل "الانتظارية"، و الانتقاد "ألمثقفي" لعفوية
النضالات، فبدل الدفاع عن "الاستقرار
و التماسك الاجتماعي" و عن ضرورة تلطيف الاستبداد بدل اقتلاعه...الم يحن
الوقت لتقديم نقدا ذاتيا عبر الانخراط في الصراع ضد المخزن و محيطه، عبر الانخراط
الميداني مع من يناضل من أجل السكن اللائق، من أجل العمل، من أجل المدرسة، من أجل
المستشفي، من أجل القضاء النزيه، من أجل الماء، من أجل الكهرباء، من أجل الحق في التعبير،
في التنظيم، في التظاهر في التمتع بحقوق المواطنة كاملة...؟
لقد علمتنا
"إلى الأمام" معنى الصمود، معنى التضحية، معنى التواضع الثوري، معنى
الصدق في علاقاتنا مع المحيط. "إلى الأمام" مدرسة حقيقية. فلتكن 30 غشت
2017، الذكرى 47 لتأسيسها مناسبة لمراجعة الذات، لتدعيم الايجابيات في ممارساتنا،
و محاولة تجاوز السلبيات، مع الوعي، كل الوعي، أنه لا يجود تنظيم
"مثالي"/parfait
. يوجد التنظيم الثوري في قلب الصراع الطبقي، يتأثر بمحيطه
الاجتماعي، قابل للاختراق الطبقي...يمكن أن يعرف تراجع البعض...لكننا تعلمنا من التاريخ
أن كل ما نزل فرد من قطار المقاومة الشعبية، كلما صعد العشرات من المناضلين و من
المناضلات أكثر استعدادا للعطاء و للتضحية.
يوم الخميس 24 غشت 2017
على فقير، شيوعي مغربي، من مؤسسي منظمة "إلى الأمام" ، 30 غشت 1970
*********
" أمنا أرضنا الحبيبة
تبكي على
خيراتها المسلوبة
تدين
الفقر والجراد والضياع
و
الثائرون اعتزموا التضحية
كي تستعيد
البشرية
ابتسام
الأم سؤدد الربيع"
(مقتطف من
نشيد المعتقلين الماركسيين اللينينيين المغاربة، مجموعة 1972: رمز الإنسان
الثائرون"
*******
"إلى متى تبقى القيود
و
شعبنا مثل العبيد ؟
إلى متى يحيى الطغاة
بحكم النار و الحديد ؟
إلى متى حكم الذئاب
يسوقنا مثل القطيع ؟
متى
تبيد رهطهم
جمهورية الكادحين ؟
إذن حذار هبة الإعصار
من الرماد تشب النار
يوم تدوي ثورة المستضعفين
سوف نفدي كل ثار
سينتهي عهد الظلام"
(مقتطف من
نشيد المعتقلين الماركسيين اللينينيين المغاربة، مجموعة 1972: الأسبوع الدامي"