البروليتاريا
الصناعية في مواجهة
الرأسمال المفترس (نشر بجريدة النهج الديمقراطي، العدد 216)
(على فقير)
تشكل
نضالات عمال القطاع الصناعي إحدى أبرز عناصر "قياس" حدة الصراع الطبقي،
كما يعتبر تطور هذا القطاع إحدى أهم مؤشرات النمو الاقتصادي.
رغم قلة المعطيات المرقمة حول المقاومة البروليتارية الصناعية و المنجمية
في المغرب، فان نضلات عمال و عاملات بعض
الوحدات الكبيرة تفرض نفسها في الإعلام ،
و تجد صداها في "أدبيات" العديد من الهيئات النقابية و السياسية و
الجمعوية. لهذا سنكتفي بالتطرق إلى بعض النضالات البطولية التي عرفتها الساحة
العمالية بين فاتح مايو 2015 و فاتح مايو 2016.
1- استمرار و تجدير نضال عمال شركات
الوساطة الفوسفاطيون.
يشكل المجمع/المكتب الشريف للفوسفاط أهم وحدة اقتصادية بالمغرب
من الناحية التشغيل و الإنتاج و التسويق.
حسب بعض التقديرات المرقمة: 80%من الاحتياط العالمي(
حوالي 5,7 مليار طن: 3,2 بالصحراء
الغربية، و 2,5 بالمغرب)، أول منتج على الصعيد
العالمي، 45%من الصادرات العالمية، أول مزود الفلاحة العالمية
بالأسمدة)، 21700 أجير مرسم/ و ألاف من
المأجورين الغير المدمجين، أساسا عن طريق شركات الوساطة في إطار العقد محدود المدة. " يشتغل عمال الفوسفاط غير المدمجين بخريبكة وفق نظام مقاولات
الوساطة التي تضع الأجير رهن إشارة المقاولة المستعملة (المجمع الشريف للفوسفاط)،
من أجل أداء مهام ذات طابع موسمي، في حين أنهم يؤدون مهام استراتيجية ودائمة، إن
الشركات التي تعددت على امتداد سنوات اشتغال العمال(15) فهي تتغير وتتجدد
باستمرار، أما العاملات والعمال غير المدمجين فهم يزاولون نفس المهام التي يزاولها
العمال المدمجين بالمجمع م ش ف، ناهيك عن أن أغلبهم هم من أبناء المتقاعدين ومن
أبناء المنطقة" (منقول عن ورقة تعريفية من تهيئ المعنيين).
انطلقت
الحركة المطلبية المشروعة لهذه الفئات من العمال الفوسفاطيين منذ 2011، و قد
استمرت هذه السنة: إضرابات عن العمل، مسيرات و اعتصامات بمدينة خريبكة، 5 اعتصامات
أمام المقر المركزي للمجمع بالدار البيضاء و المبيت في الهواء الطلق صحبة العائلات
(بداية يونيو و نهايته سنة 2015 ، يناير، فبراير و مارس 2016 )...الخ. كان ثمن
الحركة المطلبية المشروعة للفوسفاطيين الغير المدمجين باهظا: اعتقالات، إصابات،
الطرد و التوقيف التعسفان...الخ. و إلى حدود اليوم، 18 أبريل 2016، فان المجمع و
مالكتها الدولة، لم يستجيبا لمطالب ضحايا خروقات مدونة الشغل، ضحايا شركات
السمسرة، ضحايا الاستغلال المزدوج: استغلال المجمع و استغلال شركات الوساطة. و
توجد جل هذه الشركات حسب تصريح العمال في أيادي كبار الأمنيين، و قدماء المجمع
(مديرين سابقين)...الخ. إذن هناك لوبيات ريعية لا يمكن أن تقبل إدماج ألاف العمال
الغير المدمجين.
و
الملاحظ أن المجمع، و رغم تواضع كلفة الإنتاج (سهولة استخراج الفوسفاط، و الضعف
النسبي للأجور)، و رغم رقم المعاملات المذهل، فان المجمع يحتل الصف الخامس في
ترتيب المساهمين الضريبيين في ميزانية الدولة (حسب الأرقام المنشورة سنة 2015). و
هذا يعني أن هناك نهب و تبذير. و خارج الملك، لا يمكن لأحد (مؤسسة، وزارة...)،
مسائلة مسيري المجمع. المدير العام معين من طرف الملك مما يعطيه حصانة تجعله فوق
القانون.
2 – المقاومة البطولية لعمال شركة
"سامير".
تعد شركة
"سامير" المكرر الوحيد للبترول في المغرب منذ بداية الستينات، و ساهمت
بشكل كبير في تمويل خزينة الدولة عبر الأرباح و عبر الضرائب( ضريبة الاستهلاك
الداخلي
La TIC ...الخ).
في إطار عملية الخوصصة
المشؤومة، تم تفويت "شركة "سامير" لمجموعة "كورال"
السعودية في ظروف غير اقتصادية، حيث تحكمت
فيها الخلفيات السياسية. و هكذا تحولت الشركة المكرر الوحيد للبترول بالمغرب، و
المزود الأول للسوق الوطنية من مشتقات البترول، من ملكية الدولة المغربية إلى
إمبراطورية محمد العمودي، أحد المقربين من آل سعود، أحد أبرز اغنياء العالم و أحد
المتهمين بخرق حقوق الإنسان.
تمكنت مجموعة كورال من
جني أرباح مهمة خلال السنوات الأولى، الأرباح التي تم تهربها إلى الخارج، حيث لم تجد
التزاماتها الاستثمارية طريقا إلى التنفيذ داخل المغرب، و لمواجهة نفقات و كلفة الإنتاج اعتمت المجموعة
على القروض (حوالي 30 مليار درهم) و
التملص من أداء الضرائب (حوالي 13 مليار)، مما أوقعها في مستنقع الديون على طريق
الإفلاس.
أمام رفض الأبناك و
الدولة مسايرة مجموعة كورال في طريق الإفلاس، قررت هذه الأخيرة توقيف نشاط الشركة،
و تكرير البترول و ذلك يوم 5 غشت 2015.
عرفت ملحمة عمال شركة "سامير" انطلاقها
منذ غشت 2015: تشكيل جبهة نقابية داخل الشركة، تشكيل "الجبهة المحلية لمتابعة
أزمة شركة سامير" المكونة، زيادة على الجبهة النقابية، من النهج الديمقراطي،
مكونات فديرالية اليسار الديمقراطي، العدل و الإحسان و الجمعية المغربية لحقوق
الإنسان، فرع المحمدية.
يمكن تلخيص الملحمة في النقط الآتية: وقفات متعددة داخل الشركة، وقفات
جماهيرية قرب الشركة، مسيرتان شعبيتان داخل مدينة المحمدية، اعتصام و إضراب عن
الطعام داخل مقر كدش، ندوة علمية حول "الخوصصة و فشلها، نموذج شركة
سامير"، مهرجان خطابي شارك فيه أغلب قادة مكونات الجبهة المحلية.
من نتائج هذه المعركة البطولية، صرف الأجور للعمال رغم توقيف نشاط الشركة،
إصدار حكم قضائي حول تصفية الشركة، مع "الاستمرار في النشاط" إلى حدود
يونيو 2016، تجميد أرصدة الشركة و
مسيريها...الخ. السؤال المطروح اليوم و بقي بدون جواب إلى حد كتابة هذه السطور (20
أبريل 2016) هو: ما مستقبل الشركة بعد يونيو 2016؟ ما مصير عمال الشركة بعد يونيو
2016؟
و المعروف أن الشركة تشغل أكثر من ألف
عامل مرسم، و أكثر من 000 6 عامل في إطار الوساطة و المناولة، تتعامل مع أكثر من
150 مقاولة، و تساهم بحوالي30% في نشاط الميناء المحلي...الخ
المستفيدون من أزمة شركة "سامير" في الوقت الراهن هم رأسماليو شركات
"افريقيا" المغربية، و طوطال الفرنسية، و شال الانجليزية، فهي تتحكم في
استيراد و توزيع مختلف مشتقات البترول
الصافية.
3 – "المغرب
ستيل": العمال في مواجهة محاولة تحميلهم تبعات الأزمة
يعتبر الإعلام الرسمي الشركة المغربية للصلب/ مغرب ستيل Maghreb Steel صاحبة أكبر مصنع للصلب في
شمال افريقيا/عملاق الصلب.
يرتكز نشاطها على تحويل
"خردة" الحديد إلى الصلب المسطح المستعمل أساسا في قطاع البناء و
الأشغال العمومية و
الآلات المنزلية (le recyclage de la férraille)
أنشئت شركة مغرب ستيل سنة 1975 و لها وحدتان صناعيتان: الأولى بتيط مليل،
ضواحي الدار البيضاء, و هي قديمة نسبيا، و الثانية التي شكلت أهم "انجاز" صناعي بالمغرب
في العقدين الأخيرين، فتوجد قرب عين حرودة، ضواحي المحمدية.
تم تدشين وحدة عين
حرودة من طرف الملك في أبريل 2012. تطلب المشروع استثمارا بقيمة 5.7 مليار درهم،
مع نية تشغيل 2000 عامل.
و كان المستثمرون،
عائلة السقاط و من معه، يعولون على تسويق المنتوج حسب النسب الآتية:
السوق الأوربية: 56%، إفريقيا: 27% ، أسيا: 13%، الشرق الأوسط: 4%
بدأ مركب عين حرودة عملية الإنتاج سنة 2006.
رغم ضعف كلفة الإنتاج: الخردة
موجودة، و الأجور ضعيفة، فقد خسرت الشركة رهاناتها الكبرى، ترتب عنها تراكم للخسائر خلال السنوات الثلاثة
الأخيرة، بلغ حوالي مليار و 600 مليون درهم. مما
دفع إدارة الشركة إلى الاستغاثة برئيس
الحكومة و وزير الطاقة و المعادن في مواجهة
المنافسة الخارجية التي أغرقت السوق الوطنية بمنتجاتها. فبدل تصدير56% من إنتاجها إلى أوروبا أ استولى منافسوها
الأوربيون على الجزء الأكبر من السوق المغربي.
و كما جرت العادة في الوحدات الرأسمالية التي
تعرف المشاكل، فقد حاولت إدارة شركة "مغرب ستيل" تحميل جزء من تابعات
الأزمة للعمال، و ذلك بضرب مكاسب من جهة، و رفض الاستجابة لمطالب مشروعة من جهة
ثانية، مما دفع العمال إلى حمل الشارة الحمراء، ثم الدخول في إضراب عن العمل لمدة
24ساعة يوم الخامس من شهر غشت 2015، و بدل فتح حوار جدي مع العمال فضلت إدارة الشركة
طرد 40 عامل، أغلبهم قادة نقابيين مما زاد في توتر العلاقات، التوتر الذي أدى إلى
الإضراب لمدة عير محدودة ابتداء من 19 دجنبر 2015، الإضراب البطولي الذي دخل اليوم
شهره الخامس و يشارك فيه 1466 عامل و ذلك حسب مصادر نقابية، الإضراب المصحوب
باعتصام أمام و داخل المصنع.
4 – طنجة: نماذج من معارك عاملات النسيج
يتميز قطاع النسيج،
مثله في ذلك مثل قطاعات البناء، و المساحات التجارية الكبرى، و السياحة، و
الفلاحة...الخ بهشاشة الشغل، و خرق سافر لمدونة الشغل (على علاتها) مثل الطرد
التعسفي لأسباب نقابية، عدم احترام الحد الأدنى للأجور، تجاوز عدد ساعات العمل
القانونية، عدم التصريح لدى صندوق الضمان الاجتماعي، الإغلاق خارج الضوابط
القانونية...الخ
و من الحالات التي يتم فيها دوس حقوق العمال ، غلق 3 معامل
للنسيج بميناء طنجة بدون تعويض الضحايا: شركة
كارميلا ، شركة عاليا
ايماج، شركة مانيفاكتور
ففي إطار تحويل ميناء
طنجة إلى ميناء ترفيهي، تم إغلاق المعامل المتواجدة به مما نتج عنه تشريد المئات
من العمال أغلبهم نساء.
فقبل الإغلاق حاول العمال
تأسيس مكتب نقابي للدفاع عن حقوقهم المنصوص عليها قانونيا، فتم طردهم تعسفا لهذا
السبب.
حالة شركة مانيفاكتور المختصة في صناعة
الملابس الجاهزة ل"ماركات"مشهورة
عالميا ك mango zara...الخ
تشغل الشركة
أكثر من 300 عامل، أغلبهم عاملات. لكي يتخلص الباطرون من العمال والعاملات بدون
أداء مستحقاتهم بسبب تحويل الميناء إلى ميناء ترفيهيي، فتارة كان يطلق عليهم
الغازات السامة من المعمل المجاور ويستعمل مبيد الحشرات كي تغادر العاملات
والعمال الشركة... وأمام صمود العمال لجأ المشغل إلى حيلة أخرى حيث أعطى للعمال
عطلة أسبوعين وكانت تصادف عطلة عيد الأضحى ليجدوا بعد رجوعهم المعمل مقفلا.
طرق
العمال، واغلبهم عاملات تصل مدة اشتغال بعضهن لأكثر من أربعين
سنة، جميع الأبواب التي ظلت مغلقة.
لجأت ضحايا الإغلاق اللاقانوني إلى القضاء. ربحت
الدعوة، لكن لم يجد الحكم طريقه إلى التنفيذ.
اضطر العمال و
العاملات إلى الاعتصام في ظروف قاسية بالميناء أمام الشركات التي أفنوا بها
عمرهم، مطالبين بحقوقهم المشروعة، و منددين بتواطؤ مختلف أجهزة الدولة المحلية مع
الباطرونا الهجينة التي لا تتردد في تسخير عصابات من أجل تهديد و تخويف المعتصمين
عامة و المعتصمات خاصة. الاعتصام البطولي الذي بدأ سنة 2014، لازال مستمرا إلى حدود اليوم. و قد عرفت سنة
2015 و الشهور الأولى من سنة 2016، وقفات احتجاجية و تضامنية شاركت فيها عدة
مكونات سياسية و جمعوية داعمة.
عبر و دروس
زيادة على الحركات المطلبية و الاحتجاجية
الفئوية التي تعم المغرب، خصوصا منذ فبراير 2011، و زيادة على "ظاهرة"
الانتحارات التي بدأت تنتشر كأسلوب
للاحتجاج ضد التهميش، ضد الحرمان، ضد "الحكرة"...الخ فان الطبقة العاملة
ما فتأت تخوض نضالات من أجل، تارة، الدفاع عن المكاسب, و تارة، من أجل تحقيق مكاسب
جديدة. إن هذه الحركية النضالية تعبر بشكل واضح عن احتداد الصراع الطبقي.
إذا أضفنا هذا المعطى الموضوعي إلى الأزمة
البنيوية التي يعرفها الاقتصاد التبعي المغربي، و إلى العجز على "إنتاج"
مؤسسات تمثيلية ذات المصداقية الشعبية، و إلى فشل الدبلوماسية الرسمية (في قضية
الصحراء مثلا)، و تورط النظام المخزن في صراعات خارجية كطرف في العدوان على بعض
الشعوب...الخ، يمكن لنا أن نقول و بكل تأكيد، أن الطريق معبدة في اتجاه التغيير
الجذري.
فمن ماذا "يعاني" الصراع الطبقي؟
إن
سيرورة التغيير في المغرب تعاني أساسا من عاملين:
-
تعاني المقاومة
الشعبية من التشتت، من الفئوية، من قصور النظر...الخ
-
تعثر قاطرة التغيير
ناتج عن غياب الشرط الذاتي المرتبط بالعوامل الآتية: التسلح بنظرية
التغيير/النظرية الثورية، بناء أدوات التغيير الجذري و في مقدمتها حزب الطبقة
العاملة المنظم لعموم الكادحين، الروح الوحدوية لدى قوى التغيير عامة و لدى
الماركسيين المغاربة خاصة...الخ
و
خلاصة القول، على قوى التغيير الفعلي أن تقطع مع أوهام التغيير من داخل المؤسسات
المخزنية الفاقدة كليا للشرعية الشعبية، أن تقطع مع سياسات الكواليس و المذكرات،
أن تحرر ممارساتها و مواقفها من التبعية للسياسة و الدبلوماسية الرسمية، أن تتخندق
ميدانيا، و بدون أي تردد، بجانب المقاومة الشعبية، هذا من جهة، و على المناضلين
اليساريين أن يبحثوا عن القواسم المشتركة مما سيساعد على إشاعة الفكر التقدمي في
عمق المجتمع، و تسليح الطلائع المناضلة بالفكر الشيوعي، فكر الطبقة العاملة.
الأربعاء 20 أبريل 2016
على فقير
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire