حول
التشكيلة الاجتماعية و الصراع الطبقي بالمغرب
ما قبل التقديم
قال احد المفكرين:
عندما أسمع كلمة
الثروة( الغنى) فإنني أفكر مباشرة في الجريمة.
ففي مغرب اليوم، يصعب فعلا الحديث عن الثروة والأغنياء
خارج الجريمة بكل معانيها: النهب، الاختلاس، الرشوة، الاستغلال( مراكمة فائض
القيمة)...و صولا إلى القتل.
نجد في مختلف الجرائم طرفين: المجرم و الضحية. فما هي
الأطراف المعنية في واقعنا الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي يتسم بالفقر
والحرمان و التهميش من جهة، وبالبذخ و التسلط و العجرفة من جهة ثانية نتيجة تعدد
الجرائم و مراكمتها عبر السنين؟
يندرج عملنا هذا في محاولة الإجابة على هذا السؤال.
لا يندرج
هذا العمل في إطار "البحث الأكاديمي" أو في إطار صياغة " ورقة
سياسية- نظرية" متكاملة. انه بكل بساطة محاولة فهم الواقع الطبقي الحالي و
إبراز أهم عناصر السيرورة التاريخية التي أنتجته، و محاولة لمس خلفيات و أبعاد أهم
الصراعات التي تحرك مجتمعنا.
إن الهدف من هذا العمل هو دفع المناضلين التقدميين إلى
البحث و النقاش والجدل عند الضرورة، من أجل الاغناء الفكري وتحديد قوى الثورة و
القوى المضادة لها و إنارة طريق التغيير.
لقد اطلع بعض الرفاق على هذه المساهمة قبل
الطبع، ومنهم من أبدى بعض الملاحظات( في الشكل و في المضمون) أخذت بعين الاعتبار
البعض منها.
يجب التعامل مع هذه المقاربة كأرضية تقدم معطيات
تاريخية و تضم مواقف نظرية و سياسية راسخة لدى صاحبها، و كأرضية تطرح بعض التساؤلات
لم يجب عليها صاحبها لما تتطلبه من ابحاث و نقاشات وقراءات للواقع المتغير من خلال
الممارسة.
وفي الأخير
نعترف أن هناك" تقزيم" بعض المحطات و الحقب التاريخية، وتكرار بعض
الأفكار وبعض المفاهيم مثل تعريف الطبقات الاجتماعية.
التقديم
-1 أفكـار عامة :
بعد انهيار
تجارب رأسمالية الدولة البيروقراطية بأوربا الشرقية، والتراجع النسبي لنضالات
الشعوب من أجل مجتمعات إنسانية أفضل، وبعد الردة التي عرفتها العديد من المنظمات
الثورية أمام هجوم الفكر البرجوازي الليبرالي، و أمام زحف ما يسمى بالعولمة المتوحشة...
حاول العديد من" المفكرين ومن مناضلي الأمس"، صياغة خطاب جديد- قديم
لتبرير الردة، ولإعطاء نوع من المشروعية "النظرية" لتخليهم عن قطار
الكادحين و هرولتهم نحو قطار المخزن و من يدور في فلكه.
إن الهدف الأساسي
من هذه "الإجتهادات النظرية"، هو محاولة إيهام الرأي العام بحتمية خلود
النظام الرأسمالي، و بعدم وجود الطبقات الاجتماعية، وبالتالي بعدمية الحديث عن
الصراع الطبقي و عن المجتمع الشيوعي الذي ينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان.
إن الخلاصة من "اجتهادات" الجيل الجديد من
" رجال المطافيء " المتمخزنين، هي محاولة إقناع الجماهير ومناضليها بأن
المطروح هو العمل، من داخل المؤسسات المزورة، من أجل تلطيف شروط الاستغلال، و
القبول بطبيعة النظام السائد اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا، و من أجل
" تحديثه" حتى يتكيف مع متطلبات النظام الرأسمالي العالمي في واقعه
الراهن.
من جهتنا نحن،
نعتبر أنه لا يمكن لحركة تناضل من أجل التغيير الجذري أن تهمش في دراساتها، وتحاليلها، وممارساتها، الواقع بمختلف جوانبه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية…
لا يمكن لحركة تتبنى الماركسية- اللينينية كمرجعية أساسية في فكرها، أن تجهل أو تتجاهل التشكيلة الطبقية المكونة
للمجتمع، والتناقضات-الصراعات التي تحركها.
إن التشكيلة الاجتماعية (أنماط الإنتاج السائدة،
والطبقات الاجتماعية المتواجدة، و علاقة الإنتاج
السائدة...) الحالية ليست معطى قارا. إنها نتاج سيرورة تاريخية غنية بتحولات عميقة أفرزتها تناقضاتها
وصراعاتها الداخلية، وتأثرت كذلك بعوامل خارجية (الاستعمار، تطور أوضاع
الإنسانية بشكل عام…). إن الواقع الحالي ليس كذلك جامدا، فهو في تغيير مستمر، وهذا ما يفرض على القوى التقدمية الجذرية أن تعمل جاهدة للتأثير على هذه
الحركية في اتجاه التغيير الذي يخدم بالأساس مختلف الكادحين وفي
مقدمتهم الطبقة العاملة.
وهذا التأثير لا يمكن أن يكون فاعلا وحاسما إلا إذا انخرطت الطبقات الشعبية في عملية التغيير،
وهذا الانخراط لا يمكن أن يتم بدون الوعي والتنظيم. إن الجماهير الواعية
والمنظمة هي ضمان التغيير والاستمرارية في التغيير نحو المجتمع الخالي من الطبقات
والاستغلال.
يشكل عموم الكادحين (في المدن وفي البوادي) العمود الفقري
القوة الضاربة للتغيير، وتشكل الطبقة العاملة بفكرها (الاشتراكية العلمية) و بموقعها
في عملية الإنتاج قيادته السياسية و ضمان الاستمرارية التاريخية.
-2 مرتكزات التحليل الطبقي :
يمكن تعريف التشكيلة الاجتماعية "بمجمل الطبقات
الاجتماعية المتواجدة ومختلف العلاقات (الاقتصادية و السياسية والثقافية والاجتماعية…)التي
تربط بعضها بالبعض". ويبقى العنصر
الأساسي في تطور وتغيير التشكيلة الاجتماعية هوالتناقضات الداخلية (تناقض المصالح) والصراعات الناتجة عنها (الصراع الاقتصادي، الصراع
السياسي، الصراع الفكري…). لا يمكن الحديث عن التشكيلة الاجتماعية خارج الثنائي
: التناقض والصراع.
إن التناقض في المصالح مرتبط بوضعية كل طبقة اجتماعية في
الهرم الطبقي. ويمكن تحديد كل طبقة اجتماعية انطلاقا من عناصر موضوعية
يصعب الخلاف حولها. أما الصراع الطبقي بمختلف أوجهه، فتحدده عدة عوامل أغلبها
ذاتية، وفي مقدمتها الوعي الطبقي، والانخراط في مشروع مجتمع بديل عبر النضال
والتنظيم…
ولتحديد
الانتماء الطبقي، فإننا نعتمد على العناصر الآتية:
أ- العلاقات بوسائل الإنتاج: هل يمتلك الفرد وسائل الإنتاج التي يشتغل بها/ فيها أم
لا ؟
ب- الموقع داخل علاقة الإنتاج: هل يستغل (بكسر الغين) الفرد الآخرين
أم لا ؟ وهل يستغل (بفتح الغين) الفرد من طرف آخر أم لا ؟
ج - الموقع داخل الهرم الإدارى-التسييرى-التدبيرى: هل للفرد مكانة مهمة في موقع القرارات المتعلقة بسياسات
المقاولة-المؤسسة أم لا ؟
د - أهمية الدخل: يشكل مستوى الدخل، مقارنة بمستوى الأجور(في حالة المقاولة الرأسمالية
مثلا) و مقارنة بالمعدل العام للمداخل، عنصرا مهما في تحديد الانتماء الطبقي أو
الفئوي...
يشكل
العنصران الأول و الثاني المقياس الأساسي في عملية تحديد الانتماء الطبقي في مجتمع تسود
فيه المقاولة الرأسمالية الخاصة، كما يشكل العنصران الثالث و الرابع المقياس الأساسي في
عملية تحديد الانتماء الطبقي في المقاولات-المؤسسات العمومية و في إطار سيادة
علاقات "رأسمالية الدولة". وفي هذا الإطار لا يمكن تصنيف
مدراء المقاولات و المؤسسات العمومية و الخاصة المغربية، وكذلك مختلف الأطر العليا
للدولة، إلا في خانة الطبقات السائدة، لأنها تحتل المناصب الاستراتيجية في إطار
قسمة العمل، و تتصرف في وسائل الإنتاج كفئة من الرأسماليين العاديين رغم أنها لا
تمتلك قانونيا هذه الوسائل. و بشكل عام، يمكن أن نقول أن العناصر الأربعة تبقى في
غالب الأحيان متداخلة ومتكاملة.
يبقى هذا
كله تعريفا عاما، يعتمد الميولات الأساسية، و يبقى مطروحا على المناضلين الاجتهاد
في الحالات والمعطيات المرتبطة بالواقع الملموس.
و للاستئناس أقدم التعريف اللينيني للطبقات
الاجتماعية:
"إن
ما نقصده بالطبقات هي مجموعات كبيرة من البشر تتميز من بعضها بحسب الموقع
الذي تحتله في نظام إنتاج اجتماعي محدد تاريخيا و كذلك بحسب ما لها من علاقات
بوسائل الإنتاج و هي علاقات تضبطها و تكرسها قوانين معينة في أغلب الأحيان و كذلك
بحسب دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل أي حسب الطرق التي تحصل بها على الثروات
الاجتماعية و ما تحوزه منها. إن الطبقات هي مجموعات من الناس يستطيع بعضهم ابتزاز
عمل الآخرين لا لشيء إلا أنهم يحتلون موقعا متميزا في بنية معينة من الاقتصاد
الاجتماعي. إن الواضح هو أن إلغاء الطبقات نهائيا لا يتطلب مجرد الإطاحة
بالاستغلاليين و الملاكين العقاريين الكبار و الرأسماليين أو إلغاء ملكيتهم، بل
يجب كذلك إلغاء كل أشكال ملكية وسائل الإنتاج و ردم الهوة بين المدينة و الريف و
بين العمال اليدويين و المثقفين..."
Lénine :La
grande initiative, 1919, œuvre 29, p 425
(عن
معجم الماركسية النقدية، ص 848 )
(يتبع)
*******
المراجع:
1.
المغرب عبر التاريخ ( الجزء الثالث ) لإبراهيم
حركات.
2.
البادية المغربية عبر التاريخ: منشورات
كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط
3.
Histoire du Maroc (Bernard Lugan)
4.
المجلة المغربية للقانون و السياسة و الاقتصاد، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بالرباط.
5.
les 500 plus grandes entreprises marocaines (KOMPAS)
6.
Casablanca à travers ses petits entrepreneurs de la pauvreté Mohammed Laoudi
7.
الجرائد: النهج الديمقراطي- الصباح-النهار- الأحداث المغربية- بيان اليوم...
8.
الاسبوعيات: الصحيفة-الأيام- LE JOURNAL ...
9.
المفكرون الاشتراكيون: ماركس- أنجلس- لينين- روزا ليكسونبورغ- ماو تسي تونغ – مانديل – ستالين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire