(من كتيب " حول التشكيلة الاجتماعية و الصراع الطبقي بالمغرب" (على فقير
-الحلقة الثانية-
الجزء الأول : المغرب قبل الاستعمار المباشر
أولا: أهم أشكال
الملكية السائدة عشية الغزو الاستعماري
-1 على مستوى
البادية :
أ
-الملكية الجماعية للأرض في إطار القبيلة أو في إطار وحدات
اجتماعية أصغر من القبيلة.
ب- الملكية الخاصة (العائلية بالأساس).
ت
-ملكية مؤسسات دينية (الحبوس).
ث
-ملكية الدولة (أراضي الكيش...).
إن الأملاك الجماعية وأملاك الدولة كانت تشكل العنصر الأساسي في قضايا الأرض
من ناحية المساحة ومن ناحية الجودة (أراضي السهول الخصبة).
وقد انتشرت الملكية الخاصة، ومنذ القديم في الجبال
والسفوح المجاورة (مساحات صغيرة تعتمد السقي بالدرجة الأولى).
-2 على المستوى
الحضري :
إن الأنشطة الحرفية والصناعية والتجارية كانت مرتبطة
بالملكية الخاصة بالدرجة الأولى وبملكية الحبوس وملكية الدولة بالدرجة الثانية.
ثانيا : ملاكو
الأراضي الكبار
يمكن تقسيم ملاكي الأراضي الكبار إلى
شريحتين رئيسيتين:
1 - ملاكو الأراضي الكبار الذين يملكون أراضي
شاسعة، ويؤجرونها مقابل ريع عيني أو نقدي، ويعيشون الرفاهية اعتمادا بالأساس
على هذا الريع. إن هؤلاء لا يبذلون أي جهد يذكر في عملية الإنتاج.
2
- ملاكو الأراضي الكبار الذين يدبرون
أراضيهم ويسهرون في حدود معينة على عملية الإنتاج.
إذا كان الصراع يدور قبل الحماية بالأساس
بين المخزن (المتمثل في مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها وفي قلبها السلطان
وحاشيته)، وبين القبائل (وبين القبائل نفسها حول المراعي والماء)، فإن القبيلة تحمل في طياتها تناقضات وإفرازات طبقية (مالكو الأراضي والمواشي بشكل
وافر مقابل الفلاحين الفقراء، والخماسة، والرباعة، والرعاة…).
إن التنظيم الإداري الذي كان سائدا لم
يتغير في جوهره إلى حد الآن:
-العاهل أو السلطان.
-ولي العهد
وهو المرشح لخلافة السلطان.
-الحكومة
المكونة من الوزراء يتقدمهم الصدر الأعظم (أقرب وزير إلى الملك) ثم وزراء مثل وزير
البحر، وزير الجيش، وزير المالية…
-العمال
-الباشوات
-القواد
-الشيوخ
إن ظهور
ملاكي الأراضي الكبار ونمو مصالحهم تمت تحت رعاية وحماية وتشجيع المخزن، وكان
السلطان من أكبر المستفدين من عملية نهب أراضي الجموع وأراضي الفلاحين المغضوب
عليهم. وهذا لم يتم بدون مقاومة الفلاحين المنظمين أساسا في إطار القبيلة.
إن ممثلي السلطة المركزية في البوادي،
استغلوا مواقعهم للتنكيل بالمواطنين وقمعهم، وقد سهل هذا الإرهاب عملية الاستيلاء
على الأراضي.
»والسلطة السياسية
التي كان يمثلها القائد داخل البادية كانت في معظمها سلطة فردية مطلقة تميل في
كثير من الأحيان إلى العنف، حيث كان العنف هو عنوان قوة القائد، وقدرته على البطش
وقهر أفراد إيالته، وانصياعهم لأوامره، وتقديم واجباتهم بانتظام إلى المخزن «. (البادية المغربية عبر التاريخ ص 74 مساهمة مصطفى
فنيتر).
وهذه الممارسات
الشاذة كانت تشجع في غالب الأحيان من طرف السلطان. وقد جاء في رسالة
السلطان مولاي سليمان إلى العامل عمر بوسته لمحاورة قبيلة عبدة التي ثارت ضد
قائدها ابن عبد الصادق: "ومن جار عليه العامل لا يحل
له أن يحارب، ولا أن ينتصر على العامل" لقوله (ص) "أدوا الذي عليكم
واطلبوا الله الذي لكم" وفي قوله (ص): "إن ضربك فاصبر، وإن أخذ مالك
فاصبر، وإن شتمك فاصبر…" (نفس المرجع ص 76).
وقد شجع السلطان مولاي عبد الرحمن قواد البوادي عندما سطر مبدأين لسياسة الدولة المخزنية تجاه سكان البادية:
-المبدأ الأول : ظلم واحد أخف
من ظلم العدد الكثير : و يعنى هدا أن ظلم شخص واحد (ممثل الدولة) لعدة مواطنين أقل
ضررا من ظلم المواطنين لهدا الممثل.
-المبدأ الثاني : الرعية أظلم من العمال و قواد
البوادي.
وينطلق هدا الموقف من كون الرعية في
نظر السلطان تكره الولاة على كل حال.
إن هذه العلاقات المخزنية، سهلت عملية نزع الأراضي من
أصحابها الشرعيين لصالح ممثلي السلطة المركزية في البوادي، ولصالح المخزن (الأملاك
المخزنية). »
وكانت تضاف باستمرار إلى أملاك المخزن أراضي جديدة وبهائم زائدة تأتيه من مصادر بائية
شرعية وغير شرعية « (نفس المرجع، مساهمة محمد نجيدي ص 103).
وقد تحدثت بعض المراسلات المخزنية عن هذا النهب مثل »
حيازة بقر من بني مطير للجانب العالي بالله«، وموافقة السلطان مولاي الحسن على مقترح محتسب مراكش المتعلق »بشراء جنانين من الأملاك المعتبرة التي لا ينبغي أن تكون
إلا للجانب الشريف…
لجانب سيدنا أو لجانب نجله الأعز مولانا عبد العزيز «.
وقد زادت الكلف من تفقير و تهجير القبائل من أراضيها.
و تعني الكلف في مغرب القرن التاسع عشر ضريبة غير دينية تتمثل في تقديم
مجهود عضلي أو مادي لفائدة المخزن، وكانت تتميز بالنسبة لسكان البوادي بما يلي:
-الطابع الإلزامي باستثناء الشرفاء، وأصحاب الظهائر، والعساكر والمحميين من طرف القوى
الأجنبية.
-التعدد
والتنوع الكبير : أعمال مجانية، كلف مالية، الحركة (بجزم الراء)...الخ
-1 أنواع الكلف :
- التويزة: وتعني العمل
الجماعي بدون مقابل، ويعبر أصلا على التعاون، والتضامن والتآزر، إلا أن
المستفيد من هذه العملية هو المخزن و الملاكون الكبار الذين
كانوا يستفيدون من يد عاملة مجانية "وتتم هذه العمليات على أساس
أن يقدم فلاحو القبيلة عملهم اليدوي ومحاريثهم ودوابهم، ويقتصر دور المخزن على
تقديم البذور فقط، وقد كان هذا الأخير متشددا في الشروط التي يتطلبها إنجاز هذه
الكلفة، فقد جاء في رسالة حسنية (السلطان مولاي الحسن) إلى احمد اومالك "فكل من أتاك من المكلفين بحرث توائز المخزن بالبقر ذكورا
كانت أم إناثا أو بالحمير بقصد الحرث بها فلك حجزها منه ولتأت بها لدار المخزن
واقبض على أولئك الواردين بها ومن أتى بالبغال أو الخيل أو الفرسان فاقبلها منه".
يقوم السكان بعمليات الحرث والحصاد
والدرس وحمل المحصول إلى أماكن الاختزان، زيادة على أعمال أخرى.
- توفير بعض المواد الأولية بدون مقابل: الخشب، الجير، الجبس، الفحم الخشبي…
- النقل: نقل المواد من مكان إلى
مكان آخر (من مدينة إلى مدينة، من موانئ الاستيراد إلى المدن الداخلية…).
- إصلاح الطرق.
- إنجاز بعض البنايات في البوادي (القصبات).
- الكلف المالية: الفروض (مقادير
مالية كانت تفرض على "كانون" أو خيمة بالبادية لفائدة المخزن)، المئونة
(إطعام العاملين مع المخزن أو تأدية المقابل بالنقود)، السخرة (العمولات التي كانت تقدم لموظفي المخزن من طرف القبائل مقابل عمل لفائدتها).
- الحركة: فزيادة على
طابعها العسكري، فلها مفهوم آخر ككلفة كانت تفرض على القبائل في شكل اقتطاع عدد من
إمكانياتها البشرية والمادية: تجنيد أبناء القبيلة، وتوفير المئونة الضرورية، وجميع لوازم الحركة، من خيل وبغال وإبل وتلاليس…
-2 آثار الكلف :
إن كثرة الكلف، وتجاوزات ممثلي المخزن في فرضها كان يؤدي
إلى ردود فعل القبائل تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى
أخرى، حسب التماسك الداخلي، وموازن القوة: فمن الرفض والمقاومة إلى الفرار والتخلي
عن الأرض.
تقول فاطمة العساوي في مساهمتها (البادية المغربية عبر التاريخ) : …» يتزامن الامتناع مع ظاهرة
"الفرار" من القبيلة، حيث نجد أن هناك عددا من سكان البوادي كان يفضل
مغادرة أرضه، رغم ما تعنيه بالنسبة له على مواجهة الكلفة المخزنية…
وكان يلتجأ البعض إلى الدخول في الحماية الفردية الأجنبية. فقد كتب أحد ممثلي المخزن " فمنهم من لزمه واجبه
جمل ولما طالبهم المخزن بذلك امتنعوا وفر كثير من الناس وتعلقوا بالحمايات ولا زال
الأمر في ازدياد" (مايو 1889)«.
الخلاصة :
-إن الملكية الجماعية للأرض هي السائدة
أصلا، خصوصا في السهول الخصبة.
-إن السكان في البوادي كانوا منظمين أساسا
في إطار القبيلة.
-كان المخزن يتعامل أساسا مع القبيلة وليس
مع الأفراد.
-إن الأملاك المخزنية والأملاك الخاصة
ظهرت وتوسعت في إطار عملية النهب والقمع التي نتج عنها تشريد أصحاب الأرض
الأصليين.
-ازدهرت طبقة الملاكين الكبار، و تعاظم
نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن، وهذا على حساب جل سكان البادية.
-إن الوسائل والأساليب المستعملة في
الإنتاج الفلاحي تبقى عتيقة، خلافا للتحولات الهائلة التي تعرفها أروبا :
الحرث بالبهائم،
والمحراث الخشبي، الحصاد بالمنجل، و"الدرس" بالبهائم… والاعتماد على الفلاحة البورية بالأساس.
وكان يرتكز النشاط الفلاحي أساسا على إنتاج الحبوب، والزيتون، وتربية المواشي
(وقد كانت أغلب القبائل تعتمد إنتاج الحبوب وتربية المواشي في آن واحد).
- انعدام
العمل المأجور في البادية.
-يتبع-
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire