ملاحظات سريعة حول تصريح السيد محمد عبادي
على فقير (رد شخصي)
أدلى أخيرا السيد
"محمد عبادي"، الأمين العام لجماعة العدل و الإحسان، بتصريح تداولته عدة
مواقع الاليكترونية، يصعب السكوت عنها.
إنني أكن احتراما كبيرا
للسيد محمد عبادي الذي عانى و يعاني من مضايقات الاستبداد المخزني، كما كنت أكن
احتراما كبيرا للمرحوم الشيخ عبد السلام ياسين الذي عانى لعقود عدة من الاضطهاد
المخزني. لقد تعارفنا أنا و الشيخ، و ناقشنا في غياهب سجون النظام، كما أكن احتراما
كبيرا للعديد من مناضلي جماعة العدل و الإحسان، و في مقدمتهم السيد و الصديق عبد
الله شباني، زوج نادية ياسين.
إنني اليوم أرى من واجبي
كتقدمي، أن أدلي بملاحظات حول ما جاء في تصريح السيد محمد عبادي، خصوصا و أنه
يتكلم باسم أكبر قوة سياسية في المغرب، و أن التنظيم الذي أنتمي إليه، أي النهج
الديمقراطي، يتواجد موضوعيا مع جماعة العدل و الإنسان في نفس خندق مناهضي النظام
المخزني. ليس للإسلاميين و لا
التقدميين أية مسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا المتسمة بالقهر،
بالاضطهاد، بالفقر، بالاستغلال، بالمتاجرة في المخدرات و الجنس، بالقمع
السياسي...الخ، لذا نعتبر نحن في النهج الديمقراطي، أن عدونا يتجسد في النظام
المخزني. على هذا الأساس تشكلت منظمة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية
المغربية، المنظمة التي تشكلت على أيادي
الشيوعيين المغاربة المنحدرين أساسا من أسر كادحة. خلقت منظمة "إلى
الأمام" لتناضل من أجل إقامة نظام عادل، نظام الكادحين، مكان النظام المخزني،
مكان نظام مصاصي دماء العمال و العاملات. أتحدى أي كان أن يأتيني بجملة واحدة من
منشورات منظمة "الى الأمام" تمس بالدين او بمعتقدات الشعوب.
قبل الدخول في التفاصيل،
أنشر الفقرة الأخيرة من تصريح السيد محمد عبادي، هذه الفقرة تلخص في الحقيقة منظور
جماعة و الإحسان لمستقبل البلاد عامة، ولأفاق العلاقات بين مكونات المعارضة خاصة.
(التسطير بالأصفر من عندي).
"العلاقة الحالية
بين مكونات الحركة الإسلامية والعلمانية، يطبعها في الغالب التشنج، والتوجس، وسوء
الظن، والاتهامات المتبادلة، والتحديات الكثيرة تفرض على الجميع العمل على إذابة
الجليد ومد الجسور.
فعلى الحركات الإسلامية
ألا تنظر إلى العلمانيين نظرة عداء واحتقار وازدراء، فهم شركاء الوطن، ولأن
كراهية بعضهم للدين ولأهله، كانت نتيجة استغلال الدين في تزكية الظلم وممارسته، ونتيجة الخضوع
لمناهج التعليم المستوردة، التي عملت على مسخ فطرة الإنسان المسلم، ونتيجة الإعلام
المزيف الذي يشوه صورة الإسلام والمسلمين. وعليها أن تترفق بالناس جميعا وتتلطف.
وشريعتنا وضعت لنا قواعد
للتعامل والحوار، تؤثر في الخصم وتكسبه مهما كان عناده وعداؤه ومنها قول الله
سبحانه وتعالى: إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي
حميم وقوله عز من قائل لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين
ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم فقدم الله الإحسان على العدل،
وفي مجال الحوار يقول تعالى إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال
مبين وقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه أي لا
تخفه ولا تفرض عليه عقيدتك ورأيك واختيارك، بل وفر له الأمن والحماية.
وعلى
العلمانيين في الجانب الآخر، أن يعوا حقيقة الإسلام باعتباره دين تحرر شامل من
الهوى والطواغيت، من رسالته تحقيق العدالة والحرية والكرامة لجميع الناس، وأن
يعوا أن العالم الإسلامي لن يقبل غير نبتة الإسلام، وأن ما سوى الإسلام من
الإيديولوجيات غير مرحب به، ولن تقبلها تربته، وعليهم أن يصطلحوا مع الذات
ويتخلصوا من الفصام النكد في شخصيتهم، وأن يتأكدوا أن شرع الله ـ وهو أرحم الراحمين ـ
هو الذي يضمن سعادة البشر دنيا وأخرى، وأن لا يحاكموا الإسلام من جراء ظلم الحكام
وتصرفات وأفكار بعض من تأثروا بمذهب الخوارج وهم ضحية كذلك، المجدي معهم الحوار
الهادئ أما القمع والسجون فلن يزيدهم إلا تصلبا لآرائهم ومواقفهم."
الملاحظات
1- ليست لدينا كراهية للدين
و لأهله. نحن ضد استغلال الدين في الصراع السياسي، ليس فقط من طرف النظام، لكن
كذالك من طرف التنظيمات الإسلامية. إن من يستعمل الدين كسلاح سياسي هو من يضر
بالدين قبل غيره. عندما ننادي بالعلمانية، فإننا نناضل من أجل فصل الدولة عن
الدين، من أجل احترام
معتقدات الجماهير الشعبية. إن مشروعية النظام ترتكز على عنصرين يصعب الجدال فيهما:
الدين و القمع، و نحن نناضل من أجل تغيير النظام الحالي، لكن لا نريد نظاما بديلا
يرتكز على نفس العنصرين. و حتى نتفاذى المذابح التي يعرفها "العالم
الاسلامي"، مذابح يرتكبها "مسلمون" في حق "مسلمين"، من
واجبنا أن لا نقحم الدين في الصراعات السياسية. فالنتقارع/نتجادل/نتصارع حول المشاريع/البدائل
الاقتصادية، و الاجتماعية، و السياسية.
كانت
شعوب العالم العربي تعيش معتقداتها في هناء، تمارس مشاعرها في احترام متبادل، و
اليوم أصبحت الجماهير تتقاتل فيما بينها باسم الإسلام ، و ترتكب مجاز في حق
الأقليات الأخرى: العراق، سوريا....الخ. و نعيش اليوم في المغرب، من مسجد إلى أخر،
و من جماعة إلى أخرى حروبا حقيقية في تفسير و تطبيق المراجع الدينية. فالمسجد أصبح
منبرا سياسيا يستغله المخزن لتدجين ملايين المغاربة، و جماعات دينية للتحريض ضد
خصومها السياسيين عامة، و ضد كل ما هو تقدمي.
2-
السيد محمد عبادي يدلي بفتوى خطيرة عندما يقول:"وعلى العلمانيين... وأن
يعوا أن العالم الإسلامي لن يقبل غير نبتة الإسلام، وأن ما سوى الإسلام من
الإيديولوجيات غير مرحب به، ولن تقبلها تربته، وعليهم أن يصطلحوا مع الذات
ويتخلصوا من الفصام النكد في شخصيتهم".
كلام خطير، لكنه صريح
و واصح من شأنه رفع اللبس عند البعض.
يدعي السيد محمد عبادي:
- أ"ن العالم الإسلامي
لن يقبل غير نبتة الإسلام". هذا ما تدعيه كذالك داعش، لهذا تقوم "بتطهير
العراق الإسلامي" من المسيحيين، و من اليزيديين، و من الشيوعيين...الخ.
- "أن ما سوى الإسلام
من الايديلوجيات غير مرحب به، و لن تقبلها تربته".
بطبية الحال سوف لن أطلب من السيد عبادي ما هو طبيعة الإسلام الذي
يتحدث عنه. فالإسلام مذاهب، و "المسلمون" قبائل و عشائر، و طوائف تتقاتل
فيما بينها، و ترتكب مجازة رهيبة، مثله في ذلك مثل الصهيونية و الامبريالية.
3- للتذكير فقط.
- سنة 1958، أراد
النظام منع الشيوعيين المغاربة من ممارسة معارضتهم المشروعة. في غياب قانون يمكن
الاعتماد عليه، التجأ القاضي إلى مقتطف من خطاب محمد الخامس:" لا مكان في
المغرب لأفكار مادية" لتعليل حل الحزب الشيوعي.
-
لم يسبق لجماعة العدل و الإحسان أن أدانت الاغتيالات التي تورط طلابها في الجامعة
(اغتيال المعطي بوملي، أيت الجيد...)، فالوقت الذي
نددنا ، نحن في النهج الديمقراطي، بمختلف الاعتداءات الجسدية (بين الطلبة) في
الجامعة المغربية، و ذلك مهما كان مصدرها: مخزني،"إسلامي"،
"أمازيغي"، "ماركسي" ...الخ.
-
لم يصدر عن مؤسسي الجماعة إدانة رسمية لاغتيال (باسم "الإسلام") الشهيد
عمر بن جلون.
- لا نرى عند جماعة العدل و الإحسان نقدا سياسيا و فكريا لممارسات
الجماعات الإرهابية في العراق، في سوريا، في ليبيا...الخ
– ما ذنب:
- من يناضلون من اجل إعادة
الأراضي الفلاحية إلى أهلها الأصليين، إلى من يكدح فيها؟ الم تكن هذه الأراضي في
معظمها جماعية؟ لماذا تحاربون الاشتراكيين و هم يطالبون بتأميم الأرض فالوقت الذي
تعرفون فيه جيدا أن "ملاكيها" الكبار الجدد (جنرالات، أشباه الإقطاع...)
استحوذوا عليها ظلما و عدوانا و شردوا ملايين الفلاحين، المكدسين اليوم في أحزمة
الفقر بضواحي المدن؟ لماذا ترفضون مناقشة مسألة الأرض، و ذلك باسم "فرق الله
بعضكم عن بعض في الرزق"؟ يا أخي الأرض منهوبة.
- من يناضلون من أجل أن
يتحكم العامل/المنتج في وسائل الإنتاج، في عملية الإنتاج، و في توزيع المنتوج؟ هل
هذا حرام دينيا؟
- من يناضلون من أجل
مجتمع ديمقراطي متحرر من الاستغلال الاقتصادي، من الاضطهاد الاجتماعي، من
الاستبداد السياسي، من التمييز الثقافي، من التمييز الجنسي، من تمييز اللون، من
تمييز المعتقد...؟
الخاتمة
إن فتواكم هذه تعد، لنا
نحن التقدميين حتى لا أقول نحن الشيوعيين ،مصدر قلق، مصدر خوف، و اذا أضفنا
لذلك قول السيد فتح الله أرسلان: ان المغرب يعيش حاليا السيرورة الرابعة المتعلقة بتشييد نظام
الخلافة، يتحول القلق و الخوف إلى فزع حقيقي. إنكما تبشروننا بنظام أكثر اختناقا
من النظام الحالي.
نحن نناضل، حسب إمكانياتنا
البسيطة، من أجل تشييد سلطة المنتجين (من عمال، و فلاحين...) و مختلف المبدعين،
على أنقاض مختلف الأنظمة الطبقية كالملكية و الجمهورية البرجوازية...الخ.
بطبيعة الحال نحن معكم في
خندق واحد في مواجهة الاستبداد المخزني، يمكن أن تواجد ميدانيا جنب إلى جنب
(كتجربة حركة 20 فبراير المجيدة)، لكن مشاريعنا و بدائلنا تتناقض جوهريا لا تحتمل
في الوقت الراهن أكثر من التواجد الميداني كلما أمكن ذلك.
و من حججي على خطأ
ادعائكم " وأن ما سوى الإسلام من الإيديولوجيات غير مرحب به،
ولن تقبلها تربته"، أن التربة التي تتحدثون عنها، و هي أصلا تربة أمازيغية سبق أن قبلت
بالعرب، و بالإسلام، فهي، و بدون شك، هذا منطق التاريخ، ستقبل بالعلمانية، بالمشروع
الاشتراكي الإنساني.
فلا تشتموننا و لا تهددونا،نحن المغاربة -
الأفارقة- الأمازيغ- العرب.
مع كامل احتراماتي
على فقير (27 غشت 2014)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire