حول
العلمانية
على فقير ( مقالة كتبت قبل 2011)
لقد كثر النقاش في المدة
الأخيرة حول إشكالية الدين في علاقته بالسياسة
عامة و بتدبير الشأن العام خاصة. و يشكل انطلاق هذا النقاش/الحوار/الجدال بادرة
مهمة ستساعد لا محالة في تعبيد الطريق أمام تقدم الوعي المجتمعي المغربي للتقرب من
الانجازات الهائلة التي حققتها الإنسانية بفضل ثورات الشعوب و انجازات مفكريها المتحررين
من الفكر الغيبي و من الفكر المغلق.
لقد لعب تقدم قوى الإنتاج
و تطوير علاقات الإنتاج عبر التاريخ دورا أساسيا في تقدم العلم و المعرفة (التي ساعدت
بدورها في تقدم قوى الإنتاج و في تحول مختلف البنيات التحتية) على حساب الفكر الخرافي
و الجهل. فالتناقض/الصراع بين العلم و الجهل، بين المادية الجدلية و المثالية الميتافيزيقية،
بين المادية التاريخية و السرد الخرافي، هذا التناقض/الصراع و موازين القوة التي تحكمه
في زمن ما و في مكان ما هو الذي يحدد مدى تقدم هذا المجتمع أو ذلك على طريق تحرر الإنسانية
من الحاجة، و من علاقات الاستعباد و الاستغلال، ومن الأمية و الجهل، الأسباب العميقة
للتخلف و لمعانات الإنسانية في علاقاتها مع الطبيعة و في علاقاتها الداخلية (بين الأفراد
و بين الطبقات الاجتماعية).
ما
معنى النضال من أجل "علمانية الدولة"
أو
"فصل السياسة عن الدين"...:؟
1 - إن طرح
العلمانية لا تعني بتاتا النضال من أجل الإلحاد، و الذين يطرحون هذا الخلط فإما
هم أميون فكريا أو هم من مستغلي الدين لإغراض سياسية أمام عجزهم عن طرح مشروع مجتمعي
بديل مبني على برامج سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية واضحة و معطياتها قابلة للتقييم الموضوعي.
2 - إن التدين مسألة فردية.
3 - الحق في الاعتقاد و حرية العقيدة و الحق في ممارسة
مختلف المشاعر الدينية شريطة أن لا تمس حقوق الآخرين في حرية الاعتقاد و التدين و ممارسة
مشاعرهم الخاصة، و أن تحترم الاختيارات الفلسفية للآخرين.
الفرق
بين التعامل الحقوقي و التعامل السياسي
مع
مسألة "الدين و السياسية".
إن السياسة ك"فن
الممكن" يمكن أن تحدد لنفسها تكتيكات خاصة في التعامل مع قضايا معينة، خصوصا عندما
يكون ممارسوها من صنف الانتهازيين الذين لا يترددون في تغيير لونهم مثل الحرباء. يمكن
مثلا تليين موقف في القضايا "المقدسة" كالحديث عن "الملكية البرلمانية"
أو "نعم لملكية لا تثقل نفقات ميزانية الدولة" ، ولوج المسجد خلال الانتخابات...
و في هذه الحالة يتميز الديمقراطي عن اللاديمقراطي بدفاعه المبدئي على حق الجمهوري
في الدفاع عن رأيه، و حق العلماني في الدفاع
عن اختياراته، و حق المذاهب الفلسفية الأخرى و الديانات الأخرى أن تعبر عن نفسها بكل
حرية في حدود احترام معتقدات الآخرين بالطبع.
إن الممارسة الحقوقية
التي تستمد مرجعيتها من المواثيق الدولية، و من التراكمات التي أنجزتها الإنسانية عبر
التاريخ بفضل ثورات الشعوب ضد الأنظمة الاستبدادية و بفضل تضحيات المثقفين النيرين،
لا يمكن أن تقبل التعامل "التكتيكي" مع قضايا جوهرية. و هنا يكمن الفرق بين
السياسي و الحقوقي. فمثلا لا يمكن لإنسان ملكي
سياسيا أن يكون عضوا في جمعية حقوقية: إن النظام الملكي يلغي حق المواطن الغير المنتسب
لسلالة معينة أن يكون رئيس دولة.
إن الحقوقي لا يمكن
أن يسكت عن استغلال الدين من طرف الدولة أو من طرف تنظيمات سياسية في الصراع ضد خصومها.
لقد شكلت و تشكل خطب الجمعة خطابات سياسية. فأئمة الدولة يمجدون سياسات المخزن و ينتقدون
المعارضة، و أئمة التيارات الإسلامية تكب سخطها على الفكر التقدمي و الديانات الأخرى،
و على مختلف المذاهب التي لا ترضيها.
إن النضال من أجل احترام
معتقدات الجماهير الشعبية وتركها خارج "البوكير السياسي " هو:
نضال من أجل أن يمارس المواطن و المواطنة مشاعرهم بكل
حرية خارج ضغوطات أي كان.
هناك
آيات لم تعد في قاموس أئمة المخزن لأنها تمس الملوك و الطغاة، و أخرى أبعدت من
قاموس أئمة التيارات
الإسلامية لأنها تتحدث عن التسامح بين البشر و تناهض التعصب و
الكراهية. إن المؤمن "العادي" أصبح يعاني من مطرقة الدين الرسمي الممخزن
و من زندان الدين المتسيس الموجه ضد الفكر التقدمي و ضد المنجزات الإنسانية في جل
المجالات.
إن النضال من أجل فصل الدولة عن الدين، و من اجل استقلال
السياسي عن الدين، و من أجل تعليم عمومي، علمي و علماني، موحد، معمم و مجاني،
أصبح إحدى الدعامات الأساسية للنضال العام من أجل تشييد مغرب جديد، مغرب المنتجين
و مختلف المبدعين.
لا يعقل أن يعارض مناضل تقدمي هذا النوع من النضال، و لا
يمكن تفسير الاعتقال باسم "المقدس" إلا بالخلط المتعمد بين "الشأن
الروحي/الديني" و "الشأن العمومي/المادي" المرتبط بعلاقات البشر
فيما بينهم في الواقع المعاش.
علي
فقير
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire