dimanche 30 juin 2019

حول لغات التدريس

أيمكن مناقشة لغات التدريس في غياب
 نظام وطني ديمقراطي شعبي؟
على فقير
  يرجع السبب الرئيسي في استعمارنا من طرف القوى الغربية (فرنسا، اسبانيا...)، إلى تخلفنا في ميدان التعليم. لقد حصرت السلالات المخزنية المتعاقبة على السلطة في المغرب، ميدان التعليم، في التعليم الديني الإسلامي لتبرير أساسا سيطرتها الاستبدادية و تسهيل علاقات الدولة ب"القبائل". يستحيل على حرفي فاس، مراكش، تطوان، مكناس...تطوير وسائل الإنتاج اعتمادا على التعليم الديني، في غياب  الفيزياء، و الكيمياء و الرياضيات... و الفلسفة التي تربط التطور العلمي بتطور المعرفة عامة، و تطرح تساؤلات حول مصير الإنسانية بالارتباط مع تقدم العلم، و حول طبيعة علاقات الإنتاج المرتبطة بأنماط الإنتاج...انحصر الاهتمام بالرياضيات فقط في جزء من الهندسة/géometrie في إطار بناء القناطر لمرور جيوش السلاطين، و بالحساب/arithmétique في قضية الإرث...
استعمارنا من طرف الغرب العلماني، هو انتصار العلم على الفكر الماضوي، هو انتصار العقل على الجهل، هو انتصار العلمانية على تبرير الاستبداد باسم الدين. و قد اقتصرت لغة "التدريس" على اللغة العربية، لغة القرآن، و على العبرية في المدارسة اليهودية التي كانت منتشرة في اغلب مناطق المغرب.
   فإلى حدود دخول الاستعمار، انحصر محتوى التعليم في الفقه و المواد المرتبطة به، هدفه صنع مغربي مطيعي يؤمن بالقدر و بديمومة السيادة المخزنية.
الاستعمار و التعليم
1.    التعليم التقليدي.
حافظ الاستعمار على التعليم الإسلامي و التعليم العبري بمحتواهما المتخلف، البعيد كل البعد عن تطور المعرفة، عن الاكتشافات العلمية، عن تقدم الإنسانية...
 لم يطرح التعليم الديني للمستعمر الفرنسي أي إشكال. كان الديني في خدمة السلطان، و مادام السلطان هو من استغاث   بالمعمر لحمايته من ثورة القبائل، من ثورة عبد الكريم الخطابي العظيم، من سخط حرفي فاس... فقد رحب العلويون بتافيلالت و أغلب الزوايا بدخول الاستعمار.
  و قد لخص مولاي عبد الرحمان الدرقاوي هذا الترحاب في مقولته المشهورة: "مائة نصراني للدار ولا ريفي للدشار" المعزة لا تسلخ من ازليف (يعني الرأس بالأمازيغية) والسلطان لا يمكن أن يكون من الريف".
  إذن، لا لغتا التدريس و لا محتوى التعليم بالعربية و العبرية لم يكونا عاملي المقاومة الشعبية. لقد لعب الشعر و الغناء الأمازيغي، و الغناء و "لحجايات"...بالعربية الدارجة دورا أساسيا في المقاومة الشعبية ضد الاستعمار و المخزن. و جل الفنانين، نساء و رجال، لم يمروا من "المسيد"، و من المدارس الدينية، أكانت إسلامية أو عبرية.
2- التعليم العصري. لتحديث جانب من الإدارة، لتسهيل مأمورية الرأسمال بمختلف فروعه(البنكي، الصناعي، الفلاحي، الخدماتي)، ادخل معه المعمر التعليم العلماني العصري، المبني أساسا على العلوم و باللغة الفرنسية في المناطق المستعمرة من طرف فرنسا، و بالاسبانية في المناطق المستعمرة من طرف اسبانيا.
انحصر التعليم العصري في المدن الكبيرة (ثانويات مولاي إسماعيل بمكناس، مولاي ادريس بفاس، مولاي يوسف بالرباط|، محمد الخامس بالدار البيضاء، طارق بن زياد بأزرو...)، و شيدت مدارس فلاحية في المناطق التي استولى عليها بالقوة المعمرون: المدرسة الوطنية للفلاحة بمنطقة مكناس (منطقة حاج قدور) لتكوين أطر عليا مختصة في الميدان الزراعي، و مدارس متخصصة في تكوين التقنيينagents et adjoints techniques (بالسايس، الغرب، الشاوية...) في نفس الميدان...
 كان التعليم العصري، مقتصرا على أبناء المعمرين، و أبناء الأعيان، خوفا من ولوج أبناء الجماهير الشعبية عالم الحداثة، عالم المعرفة، عالم العلوم الاجتماعية، عالم تاريخ مقاومات الشعوب ضد الاحتلال...يشكل التعليم باللغات "الأوروبية"، لغات الحداثة، خطرا على المعمر، لأنه يساعد على التوعية، على المقاومة...
لم تكن للمعمر مشاكل مع التعليم الأصيل الديني، عربيا كان أو عبريا، و لا مع الزوايا و أضرحة, و الشرفاء...
مغرب بداية "الاستقلال" و المبادئ الأربعة
  كما هو معروف، لم يكن للحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال برنامج واضح لمغرب ما بعد رحيل المعمر. فحزب الاستقلال عبارة عن جبهة طبقية واسعة يجمعها شعار "الاستقلال". من ناحية التكوين  التعليمي، نجد خليطا "ثقافيا"، ومن الملاحظ أن أغلب القادة السياسيين للحركة الوطنية ، مروا في تكوينهم عبر باريس (جامعة سربون...): محمد الفاسي، عبد الخالق الطريس، احمد بلافريج، المهدي بنبركة، عبدالرحيم بوعبيد، محمد بوستة، محمد حسن الوزاني...وتشكل حالة علال الفاسي الاستثناء، حيث تخرج من جامعة القرويين بفاس، و عمق دراسته بالقاهرة، لكن أبنائه وبناته درسوا باللغة الفرنسية، بمن فيهم عبد الواحد الفاسي، وزير الصحة السابق و المدافع الآن بشراسة على ضرورة التعريب.
   و قد تقلد محمد الفاسي منصب أول وزير تعليم في الحكومة التي انبثقت عن "اتفاقية ايكس ليبان"المشؤومة برئاسة مبارك البكاي أحد رموز الامتداد الفرنسي بالمغرب ما بعد استقلال 1956. في زيارة محمد الفاسي لمدرسة بني تجيت طرح علينا أسئلة، ليس بالأمازغية (التي نتقنها)  و لا بالعربية ، بل باللغة الفرنسية فقط.
شتنبر1957 و المبادئ الأربعة
   أقرت "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم" التي أسسها محمد الخامس خلال شتنبر 1957، "المبادئ الأربعة": التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر".
و يمكن تلخيص مفهوم "المبادئ الأربعة"، من منظور مكونات الحركة الوطنية في توافق مع القصر، فيما يلي:
-         تعميم تمدرس الأطفال البالغين 6 سنوات.
-         اقتصار التعليم في المغرب على مدرسة وطنية واحدة، بدل التعدد (الإسلامي، اليهودي، الأوروبي...).
-         جعل اللغة العربية لغة تدريس لجميع المواد.
-         إسناد مهام التدريس، و التسيير...للمغاربة.
الحسن الثاني و المبدأ الواحد
  غداة وفاة محمد الخامس سنة1961 ، دخل الحسن الثاني في صراع مرير مع مكونات الحركة الوطنية، و عمق التبعية للامبريالية عامة، و لفرنسا خاصة، و ذلك في مختلف المجالات، مما انعكس على قطاع التعليم.
  فرغم العديد من المناظرات و "مشاريع إصلاح التعليم"(مناظرة المعمورة سنة 1964، مناظرة ايفران 1970...)، فان التعليم لم يعرف أي تقدم أو تحسن، و المبادئ الأربعة بقيت حبرا على ورق، إذا استثنينا مبدأ"مغربة الأطر". فالحسن الثاني كان يريد دولة تعتمد فقط على رعاياه، على خدامه. فمثلا كانت له مشاكل مع الأطر الفرنسية في ميدان التعليم. فخلال انتفاضة مارس 1965 المجيدة رفض أغلب مديري الثانويات دخول قوات القمع إلى المؤسسات التعليمية لاعتقال التلاميذ...كما كان يتهم الأطر الأجنبية بترويج للقيم الإنسانية التحررية وسط التلاميذ.
محاولة التعريب أم تخريب التعليم؟
منذ أن أصبح ملكا و الحسن الثاني يعمل على الحفاظ على سياسة أسلافه، أي الاستمرار في تجهيل الشعب المغربي، و ذلك من أجل الحفاظ على العرش، و يمكن سرد بعض المعطيات التي تؤكد ذلك:
-         منع تأطير التلاميذ من طرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1964
-         عقد لقاءات، مناظرات...من أجل ربح الوقت و تمرير مشاريع تراجعية
-         مزج بين التعليم الديني و التعليم العصري في المدرسة العمومية الرسمية
-الحفاظ على التعدد: "التعليم الأصيل" الديني، التعليم العمومي "المزدوج"، التعليم الخصوصي، ولوج أبناء و بنات الأغنياء و الأطر العليا تعليم البعثات (الفرنسية، الامريكية، الاسبانية، الايطالية...)
-         محاولة فرض الشعائر الدينية(الصلاة...) في المؤسسات التعليمية غداة انتفاضة مارس 1965 المجيدة
-         إفراغ"التعليم العمومي" الرسمي من المواد العلمانية: حذف مادة الفلسفة، تركيز مادة التاريخ على تاريخ السلالات عامة و على تاريخ الملوك العلويين خاصة...
-         حذف من مادة التاريخ الجزء المتعلق بأصل المغاربة الأمازيغي...
-         حل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يناير 1973
-         تشجيع التيارات الإسلامية داخل المؤسسات التعليمية من طرف وزارة الداخلية،  و فرض على أطفال الجماهير الشعبية المرور من الكتاتيب القرآنية قبل ولوج المدرسة العمومية الرسمية...
-           تعريب المواد العلمية ابتداء من بداية الثمانينات(عهد عز الدين العراقي الاستقلالي... )
-         تخفيض الاعتمادات المخصصة لقطاع التعليم: حرمان الطلبة من المنح، إغلاق العديد من "الداخليات"internats بالثانويات،"التوظيف" بالتعاقد، اللجوء إلى شركات"الوساطة" من أجل انجاز مهام الصيانة، الحراسة...
-         منح العديد من الامتيازات الضريبية للتعليم الخصوصي...
  هكذا وجه الحسن الثاني و محيطه قاطرة التعليم العمومي نحو المزيد من التخلف، بهدف إعادة إنتاج القيم الماضوية الرجعية لضمان ديمومة النظام السائد، ذلك النظام الذي يعتمد على الدين و على القمع لفرض سيطرته، و هذا في غياب الشرعية الشعبية.
الحركة التقدمية و التعليم
  ركزت الحركة الطلابية و الفصائل الماركسية منذ بداية السبعينات، طرحها في الشعار الأساسي الآتي: من أجل تعليم شعبي ديمقراطي علماني.
1.    تعليم شعبي، يعني بالأساس تعميم التعليم و مجانيته.
2.    تعليم ديمقراطي يعني بالأساس، مساهمة القوى السياسية و النقابية، و الطلبة، و الأساتذة، و الأسر، والجمعيات الحقوقية...في تحديد محتوى التعليم، و المساهمة في التدبير و التسيير...حيث ينحصر دور الوزارة في تنفيذ ما يحدده المجتمع.
3.    تعليم علماني، بمعنى استقلال التعليم عن الدين، مع إدخال مادة "تاريخ الديانات" في البرامج، و في مقدمتها الإسلام كدين أغلبية الشعب المغربي، وذلك بجانب مادة الفلسفة.
حسب رأيي الشخصي،هناك ضرورة تعميم مواد الفلسفة، و تاريخ الديانات، و المبادئ الاقتصادية، على جميع الشعب في الثانوي على أن لا تتجاوز حصصها ساعتين في الأسبوع.
جاء في طروحات النهج الديمقراطي (المؤتمر الرابع، سنة 2016):"على مستوى التعليم، وضع أسس نظام تعليمي وطني ديمقراطي شعبي علمي و علماني و منفتح، ينمي الطاقات الإبداعية و الفكر النقدي و التحرري، تعليم إجباري، جيد و مجاني".
نلاحظ أن النهج الديمقراطي يربط مشكل التعليم بقضية التحرر الوطني الديمقراطي الشعبي. فخارج هذا الاختيار يبقى الكلام على "إصلاح" التعليم، وعن لغة التدريس، كلاما فارغا و ديماغوجيا.
 من الملاحظ أن الحركة الطلابية التقدمية و القوى الماركسية لا تطرح إشكالية لغة التدريس.

ماذا تبقى اليوم من "المبادئ الأربعة"؟
بعد حوالي 60 سنة على إقرار المبادئ الأربعة (شتنبر 1957) نتيجة توافق الحركة الوطنية، و القصر، و القوى الرجعية، لم يبقى اليوم  إلا النقاش/الجدل حول: التعريب و التعميم و المجانية. شعارات مستحيلة التحقيق في إطار سيادة النظام المخزني، في إطار التبعية الاقتصادية، في إطار الارتباط بالمؤسسات المالية العالمية، في إطار الذيلية السياسية للامبريالية.
هل من الصحيح رفع شعار التعريب في الواقع الراهن؟
 طرح شعار التعريب في الواقع الراهن يطرح العديد من الاشكاليات:
-         لا يمكن طرح قضية التدريس باللغة العربية خارج ربطها بتحرير اللغة الأمازيغية من القيود المفروضة عليها.
-         اللغة العربية تتطلب تأهيلا علميا، لأنها إلى حدود اليوم،تبقى أساسا، لغة الدين، لغة الأدب و الشعر، لغة المقالات السياسية و الخطابة.
-         تبقى إشكالية اللغة الأمازيغية أكثر تعقيدا، لأنها لغة التواصل الشفوي بين المواطنين والمواطنات في أكثر من 75 في المائة من مساحة المغرب، لغة تمديازت، تنشادت...فهي تتطلب مجهودا أكبر للتأهيل.
-         اللغة العربية موجودة خارج السباق العلمي، و ذلك راجع لاختيارات الأنظمة السائدة، الذين يبذرون الملايير في ميادين خارج ميدان التعليم، ميدان البحث العلمي، ميدان الاكتشاف.  
-         لا يمكن مناقشة لغة التدريس خارج التحرر الوطني الديمقراطي الشعبي.
إن التعريب في إطار النظام المخزني، في إطار الرأسمالية التبعية،  في إطار نظام تعليمي متعدد (العمومي الأصيل، العمومي العصري، الخاص، البعثاتي...)، في إطار اقتصادي مفرنس (الأبناك، شركات التأمين، الشركات الصناعية...)، في إطار افتقار اللغة العربية و اللغة الأمازيغية إلى أهم العلوم (الإعلاميات، علوم التربة، اكتشافات فضائية...)، التعريب في هذا الواقع لا يمكن أن يعني إلا حرمان أبناء و بنات الفقراء، أبناء و بنات الكادحين من ولوج الشغل في أهم المرافق، التعريب في الوقت الراهن لا يعني إلا تسهيل مأمورية أبناء و بنات الطبقات السائدة  المتخرجين و المتخرجات من الجامعات و المدارس العليا التي تدرس باللغات الأجنبية المؤهلة علميا.
قبل الحديث عن لغات التدريس،هناك الأولوية للنضال من أجل تشييد نظام وطني ديمقراطي شعبي، فخارج هذا النظام،تبقى محاولة تعريب التعليم، مؤامرة ضد أبناء و بنات الجماهير الشعبية الكادحة و الفقيرة.
خلاصة القول:
  إن النقاش/الجدال حول إمكانية التعريب في الواقع الراهن،  نقاش خطير ينسينا قضية لغتنا الأمازيغية، لغتنا الرسمية بجانب اللغة العربية،  يبعد أبناء و بنات الجماهير الشعبية عن التشغيل في أهم القطاعات، يعيد إنتاج التراتبية الطبقية الراهنة، يخدم أجندة التيارات الدينية الماضوية الخليجية، يربط شعبنا بالتيارات العروبية الشوفينة الشرقية...
 فبداية الإصلاح الحقيقي تبدأ من توحيد التعليم في إطار مدرسة وطنية واحدة، و  منع التوظيف في الإدارة العمومية، لحاملي وحاملات الشهادات  من الجامعات والمدارس و المعاهد غير الوطنية. و هذا مستحيل في واقع سيادة النظام المخزني.
المحمدية،  يونيو 2019

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire