dimanche 23 novembre 2014

بادية المغرب، ضحية التهميش . سياسات الدولة، مسكنات بدون أفق

نشر سابقا بجريدة "النهج الديمقراطي" العدد 187، نونبر 2014
بادية المغرب، ضحية التهميش
 سياسات الدولة، مسكنات بدون أفق
-على فقير-

يعيش سكان البادية المغربية هشاشة مطلقة، مما اضطر الملايين منهم إلى هجرة مناطقهم نحو أحزمة الفقر بالمدن، لتعزيز صفوف ملايين البؤساء "الحضريين". إن العديد من المناطق النائية لم تتجاوز بعد ظروف العيش لما قبل-الاستعمار، حيث لم تستفيد من المنجزات العلمية، و لا من انجازات الإنسانية في مختلف الميادين. يرجع السبب في هذا الواقع إلى سياسات التهميش و الإقصاء التي اتبعتها الدولة المخزنية تجاه سكان "المغرب الغير النافع"، و حتى سكان "المناطق النافعة" التي تسود فيها الرأسمالية، فان ملايين من الفلاحين الفقراء أو بدون أرض، و العمال الزراعيين، يعيشون ظروفا قاسية نظرا لسيادة "قانون الغاب"، و الرأسمالية الزراعية المتوحشة. لا يمكن فهم ما تعرفه البادية المغربية اليوم، من حركات احتجاجية من مسيرات، و اعتصامات...خارج ما نقوله، خارج منطق الصراع الطبقي.

أولا- مظاهر الهشاشة.
1- و شهد شاهد من أهلها.
 - حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( 24 يوليوز 2014):
  يحتل المغرب رتبة 129 على 187 دولة في إطار تصنيف مؤشر التنمية البشرية/  IDH (تونس 90، الجزائر 93).
 -  و جاء في تقرير البنك الدولي حول أسباب الفقر و كيفية محاربته (سنة 2013)  أن 50 في المائة من السكان المغاربة، يعيشون تحت خط الفقر،  يعيشون تحت وطأة الأمراض والإعاقات، أو ظروف الطقس، وكذا فقدان الوظيفة.
 كما  أكد نفس التقرير أن 2.5 مليون طفل معظمهم من الفتيات الريفيات لا يذهبون إلى المدارس، مبرزا أن 83 في المائة من النساء القرويات لا تزال أميات.
 كما أبرز البنك الدولي في تقريره حول المغرب، دور عدم التساوي في التوزيع والتنوع الاقتصادي بين المناطق، وتأثيره على الهجرة و التنقل.
2- ملاحظات:
- يشكل "مؤشر التنمية البشرية أحد المؤشرات، التي ابتكرتها هيئة الأمم المتحدة، ويعتمد في إحصائياته على العناصر الثلاثة المعتمدة دوليا لقيس مدى تطور الشعوب ورفاه المجتمعات وهذه العناصر هي:
* الخدمات الصحية
* قطاع التعليم
* دخل الفرد
كما يهتمّ أيضا بقياس مستوى تطوّر البنية التحتية."
و إذا انطلقنا من الرتبة الغير المشرفة التي يحتلها المغرب في التصنيف العالمي، فإننا نجد أن أهم القطاعات الاجتماعية تعاني خصاصا مهولا. و تبقى ضحايا هذا "العجز" هي من جهة الطبقات الشعبية عامة مقارنة مع الطبقات السائدة المستفيدة من الوضع المختل، و سكان البادية مقارنة مع  سكان المدينة من جهة ثانية. و هذا لا يعني بتاتا أن  مغاربة البادية يعيشون نفس المعاناة. فالمعاناة في علاقة تناسبية مع الانتماء الطبقي.
  و يتضح هذا من خلال تقرير البنك الدولي في إشارته إلى وضعية الفتاة القروية، و المرأة في البادية.
أ- الحرمان من الحق في التعليم.
* ضعف نسبة التمدرس مقارنة مع الوضعية في المدينة، و تبقى المرأة أول ضحية الأمية.
* ضعف البنية التحية: مدارس/حجر في وضعية لا تساعد على التحصيل العلمي، زيادة على بعدها عن المنازل/الأكواخ
* ظروف صعبة للاشتغال بالنسبة لرجال التعليم، و خصوص بالنسبة للنساء: غياب السكن، الكهرباء  الماء، وسائل النقل...الخ مما يؤثر على مردودية عملهم.
ب – الحرمان من الحق في الاستشفاء.
- غياب مستوصفات، ناهيك عن المستشفيات في الجماعات القريبة
- غياب الإمكانيات المادية و وسائل النقل نحو مستشفيات المدن القريبة، و هذا رغم الخصاص المهول التي تعاني منه المدن في مجال الصحة، حيث يصعب الاستشفاء خارج العيادة الخاصة التي تتطلب نفقات باهظة.
- العجز في تجهيز المراكز الصحية الموجودة في بعض المناطق النائية
ت – تعاني العديد من المناطق من غياب التجهيزات التحتية التي تضمن المواصلات/التواصل، و الكهرباء و الماء الصالح للشرب...الخ
ث – يعاني، أبناء و بنات المناطق القروية، قبل غيرهم، من معضلة البطالة، خصوصا في المناطق الخالية من "الرأسمالية الزراعية"، و وحدات "الصناعة – الزراعية"، كالريف، و جبال الأطلس، و السفوح الشرقية...الخ

 الثانيا. الدولة المخزنية و سياسات المسكنات
أمام تفاقم الفوارق الطبقية في البادية، و أمام تنامي حركة الفلاحين الفقراء من أجل الحق في استرجاع أراضيهم التي استولى عليها المعمرون، و تم تفويتها لمحظوظين مغاربة بعد الاستقلال الشكلي، هذه الحركة التي تحولت في بعض الحالات إلى مواجهات دامية كانتفاضة أولاد خليفة بإقليم القنيطرة سنة 1970، حيث قتل العديد من الفلاحين من طرف قوات القمع، لجأ الحكم إلى بعض الحلول الترقيعية من أجل التخفيف من حدة الصراع.
أ – توزيع جزء من الأراضي المسترجعة على بعض الفلاحين الفقراء و العمال الزراعيين، و تنظيمهم في إطار تعاونيات. رغم غياب معطيات مضبوطة، فيبدو أن التوزيع شمل حوالي 000 300 هكتار استفاد منها حوالي 000 25 فلاح  فقير و عامل زراعي. و إذا كان العدد 000 25 صحيح، فانه يبقى هزيل أمام ملايين المحرومين. إذن عملية توزيع الأراضي بهذا الشكل و هذا الحجم، تبقى عملية دعائية و محاولة الالتفاف على المطلب المركزي: نزع الأراضي من الملاكين العقاريين، و من جميع الطفيليين على الفلاحة و توزيعها على الفلاحين الفقراء، و على العمال الزراعيين.
ب –  أمام هول الهشاشة المتجلية في الفقر، و البطالة، و انعدام ابسط شروط الحياة الكريمة، التجأ النظام إلى مسكن " القروض المتناهية الصغر"/ Micro-crédits.
     القروض الصغرى أو المتناهية الصغر، هي قروض تقدم لفقراء ( القرويين بالأساس )، و تشكل النساء حوالي 80% من المستفيدين بهدف إنشاء "مشاريع  تجارية متناهية الصغر تضمن دخلا للمستفيد يساعده على الخروج من دائرة الفقر." هذا الصنف من القروض يهم  الفقراء المحرومين من خدمات الأبناك. 
يمكن تقديم بعض المعطيات حول هذا المسكن  الاجتماعي/  social tranquillisant الجديد
- عدد " الزبناء" القرويين يناهز نصف مليون فرد، و  في غالب ألأحيان يرتبط الفرد بعائلة كاملة    
- عدد شركات هذا النوع من القروض بالمغرب يقارب 30 وحدة، ك "الأمانة"، "زاكورة"، "الكرامة"، "انماء"...الخ
- تعد هذه "الوصفة" وسيلة جديدة لنهب قوة العمل بدون كلفة تذكر:
* نسبة الفائدة تصل  إلى 50 في المائة باعتراف  الباحث الاقتصادي، و العامل في ميدان القروض الصغرى، فؤاد عبد المومني، و 190 في المائة حسب أمثلة حية قدمتها جريدة "ليبراسيون". خارج قانون الغاب، لا وجود لسقف محدد قانونيا.
* الاستفادة من الإعفاءات الضريبية حسب تصريح ادريس الأزمي الإدريسي وزير منتدب مكلف بالميزانية
* يشتغل "الزبون" ليلا و نهارا، و بتعاون أفراد عائلته، من أجل ضمان الاستمرار في الحياة و تسديد القرض و الفائدة. هذا شكل جديد من العبودية، يراكم من خلاله البعض أرباحا خيالية باستغلال قوة العمل بدون كلفة تذكر.
* تطمح هذه المؤسسات توسيع دائرة نهبها على الصعيد الوطني إلى 3 ملايين و 200 الف زبون في المستقبل.
* تم إنشاء  »مركز محمد السادس لدعم القروض الصغرى التضامنية  / « CMS  "من أجل السماح لفئات عريضة من السكان المستهدفين ولوج القروض الصغرى،قررت مؤسسة محمد الخامس للتضامن دعم الفاعلين في القطاع حتى يتسنى لهم تطوير أنشطتهم و بالتالي فتح أفاق من الأمل و الكرامة للعديد من المستهدفين." (عن موقع المركز).
ت – مسكن ( tranquillisant) المبادرة الوطنية للتنمية البشرية/  L’INDH
أمام تدهور وضعية الجماهير الشعبية، و تنامي الحركات الاحتجاجية، و تفاقم الوضعية في البادية المغربية و في أحزمة الفقر بالمدن، التجأ النظام إلى مسكن/"مهدن" جديد عبر وصفة "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي انطلقت سنة 005 2.
 يدعي مهندسو "المبادرة" :"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي مشروع تنموي من أجل تحسين  الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية لسكان المغرب، تقوم على ثلاث محاور أساسية :
- التصدي للعجز الاجتماعي بالأحياء الحضرية الفقيرة والجماعات القروية الأشد خصاصا
- تشجيع الأنشطة المدرة للدخل القار والمتيحة لفرص الشغل
- العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة"
 بعد حوالي 8 سنوات من انطلاقها، فان مفعول مسكن "المبادرة" يبقى هزيلا. وضعية المحرومين و المهمشين في تدهور مستمر، و البادية المغربية تعيش كارثة حقيقية، خصوصا و أن إشراف وزارة الداخلية على تنفيذ برامج "المبادرة"، قد فتح المجال أمام رجال و أعوان السلطة المحليين للاغتناء، و نسج علاقات أخطبوطية مشبوهة.
الخلاصة
   المغرب  مغربان: مغرب الأقلية ترمز إليه القصور، و الفيلات المجهزات بالمسابح...، و  الأبراج/العمارات الزجاجية الناطحة للسماء، و السيارات الفاخرة، و الحسابات البنكية (في الداخل و في الخارج) المكدسة للمليارات...الخ هذا من جهة، و من جهة ثانية مغرب الأغلبية ترمز إليه أحزمة الفقر، و هشاشة العالم القروي، و  مأساة المرأة الشعبية...الخ
   إن مختلف سياسات الدولة المخزنية لم تزد إلا توسيع الهوية:
 -  بين البرجوازيين و الكادحين
- بين الأغنياء و الفقراء
- بين المدينة و البادية
 و مبادرات "توزيع الأراضي"، و  "توزيع القروض الصغرى"، و " مبادرة التنمية البشرية"...الخ، تبقى بدون جدوى، و هي مسكنات تحاول الدولة من خلالها إجهاض الحركات الاجتماعية المشروعة.
  يشكل اليوم سكان البادية عامة، و المرأة القروية خاصة، أكبر ضحايا التهميش الممنهج من طرف النظام، و تبقى المقاومة الشعبية الواعية و المنظمة الطريق الوحيد لفرض الحد الأدنى من حقوق المواطنة على طريق التغيير الجدري المنشود.
على فقير، يوم 20 أكتوبر 2014
 

vendredi 21 novembre 2014

الإشكالات الاقتصادية بالبادية المغربية

مقال نشر بجريدة "النهج الديمقراطي"، العدد 187 لشهر نونبر 2014

الإشكالات الاقتصادية  بالبادية المغربية
 على فقير
يشكل القطاع الفلاحي إحدى أعمدة الاقتصاد المغربي، و أهم قطاع في التشغيل (كثيرا ما يكون مقنعا) لقوة العمل. و قد شكل منذ بداية الستينات، أهم أولويات الدولة، ليس كقطاع يستجيب لحاجيات السكان بل كأهم عنصر في صادرات البلاد.
 يصعب اليوم الحديث عن قطاعين، أحدهم تقليدي و الثاني عصري، فالرأسمالية الزراعية المبنية على العمل المأجور، أصبحت سائدة بشكل مطلق، و هذا رغم أن الاستغلاليات الصغرى تبقى هي الأكثر عددا في المناطق الجبلية، و السفوح الشرقية المجاورة. سوف لن نتطرق بشكل كبير "للقطاع التقليدي"، لأن دوره ينحصر في تلبية جزء بسيط من حاجيات  الملاكين، أغلبهم فلاحون فقراء لا تتجاوز مساحة استغلالياتهم هكتار واحد، و يشكل غطاءا مقنعا للبطالة، يعتمد نفس وسائل الإنتاج العتيقة، و لا يستفيد من دعم الدولة، و لا من سياسة السدود، و لا من المكننة...الخ
سوف لن نتطرق في مقالتنا هذه لأنشطة اقتصادية مكملة للقطاع الفلاحي في البادية مثل التجارة، و بعض المهن الحرفية البسيطة.

أولا- المسألة الزراعية غداة استقلال 1956

خارج شعار "الاستقلال"، لم يكن للحركة الوطنية المغربية أي برنامج واضح حول مستقبل البلاد بعد رحيل المستعمر، و هذا ناتج عن الخليط الطبقي المكون للحركة تحت قيادة البرجوازية المدينية، في تحالف غير طبيعي مع القصر.
كانت أهم الأراضي الفلاحية بين أيادي الرأسماليين الزراعيين الأجانب ( بالسهول الخصبة)، و أشباه الإقطاعيين المغاربة (بسفوح جبال الأطلس بالأساس). و كان جل هؤلاء مناهضين لفكرة الاستقلال.
بعد استقلال 1956، و بمختلف أجنحته، رفع حزب الاستقلال شعار" ضرورة استرجاع أراضي المعمرين الأجانب (أكثر من مليون هكتار)، و نزع ملكية الملاكين الخونة المغاربة (عشرات الآلاف من الهكتارات)، و قد حدد عددهم في 183 ملاك عقاري كبير".
رغم سدادة شعار "استرجاع أراضي المعمرين، و نزع ملكية الخونة"، فان طرق/وسائل/شروط تحقيق الشعار، و مصير تلك الأراضي بقيت بدون أجوبة واضحة.
بعد صراع مرير بين أجنحة الحركة الوطنية، و بين مكونات الحركة الوطنية مع القصر و قاعدته الاجتماعية، الملاكون الكبار الشبه-الإقطاعيون أمثال أحرضان، امحزان، امهراق، لحس اليوسي...، الأطر العسكرية التي تكونت في المدرسة الاستعمارية (افقير، امزيان، الكتاني...)، و الليبراليون الفرنكوفيون بقيادة كديرة...، و رغم محاولة حكومة عبد الله ابراهيم في أواخر الخمسينات، فقد فشلت الحركة الوطنية في تشييد مغرب ديمقراطي تقدمي، و في بناء أسس  اقتصاد وطني مستقل، اقتصاد متحرر من التبعية للسوق العالمية و من  وصاية البرجوازية الرأسمالية الفرنسية.
بعد وفاة محمد الخامس سنة 1961، تقوت الجبهة الرجعية التي التفت حول الحسن الثاني، و بعد دستور 1962 المفروض الذي شرعن للاستبداد الملكي، و الانتخابات المزورة التي جاءت بعده، و بعد القمع الهمجي الذي تعرض حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية  و الحرب المفتعلة ضد الجزائر سنة 1963، حدد النظام الخطوط العريضة لسياساته في مختلف المجالات، وكانت تتناقض كليا مع مطامح الشعب المغربي عامة، و مع مطامح الكادحين خاصة: التخندق سياسيا و عسكريا في جبهة الامبريالية المعادية لقضايا الشعوب، و بناء اقتصاد رأسمالي نبعي يعتمد حاجيات السوق العالمية و ليس حاجيات الجماهير الشعبية المغربية.
ففي هذه الإطار يجب فهم تحديد أولويتين للاقتصاد المغربي: الفلاحة و السياحة، و التراجع كليا عن اختيارات حكومة عبد الله ابراهيم المتقدمة.

ثانيا - التحولات الفلاحية  خلال عقد الستينات
   لقد اهتمت الدولة بالقطاع الفلاحي لاعتبارات عدة ومنها:
- إن معظم سكان المغرب كانوا مرتبطين بالأنشطة الفلاحية، وكانوا دائما خزانا أساسيا للانتفاضات والتمرد ضد المخزن، وهذا ما يتطلب سياسة جديدة لتأطير البادية.
- كانت الفلاحة، خصوصا الأنشطة العصرية منها، تشكل ورقة مربحة في العلاقات مع أوربا، في الوقت الذي تبقى فيها إمكانية التصنيع محدودة في إطار الاقتصاد التبعي.
- إن أهمية الأراضي الخصبة التي كانت بين أيادي المعمرين الأجانب كانت تشكل ثروة هائلة تسيل لعاب المحظوظين المغاربة.
- كانت شريحة الملاكين العقاريين الكبار (الشبه-الإقطاعيين بالخصوص) تشكل الركيزة الأساسية للنظام في المغرب بشكل عام (من الناحية السياسية) وفي البادية بشكل خاص (من الناحية الاجتماعية)، خصوصا وأن جل الأطر العسكرية، وكبار موظفي وزارة الداخلية ينحدرون من هذه الشريحة.
   وقد تجلى تدخل الدولة في النقط الآتية:
- العفو عن الخونة، و بالتالي حرمان الفلاحين الفقراء من الأراضي التي نهبها هؤلاء الملاكين العقاريين الكبار.
- تسهيل عملية تفويت أراضي المعمرين وتنظيم هذا التفويت (للخواص وللدولة). تمت هذه العملية على أساس تعويضات و امتيازات هامة.
جاء في مقال جد مهم للباحث في العلوم الاقتصادية، محمد موساوي: " وإذا تذكرنا أن رصيد أراضي الاستعمار كان يبلغ ما يزيد عن  مليون هكتارا، وأن إجمالي ما استرجعته الدولة رسميا لم يتعد 425000 هكتارا وجدنا أن 575000 هكتارا ( 000 600 هكتارا تقريبا)  بنسبة 60 في المائة من الرصيد العقاري الأصلي قد تم تفويته – بيعا – إلى ملاكين مغاربة، بينما وزعت  000 324 هكتارا فقط على  356 2 من صغار الفلاحين والعمال الزراعيين، وظل الباقي في ملك الدولة الخاص إلى حدود سنة 2004، ليفوت على مراحل في إطار "شراكة " بين القطاع العمومي والقطاع الخاص". 
- نهج سياسة السدود الكبرى لتوفير ماء السقي، وتوسيع مساحات الأراضي المستغلة، استفاد منها بالأساس ملاكو الأراضي الكبار.
- تأطير النشاط الفلاحي بخلق مكاتب جهوية للاستثمار الفلاحي (ORMVA) الخاصة بالمناطق المسقية، وتطوير المصالح المختصة الموجودة سابقا(CT)  الخاصة بمناطق البور.
- تشجيع الملاكين على اقتناء الآلات الفلاحية العصرية (للحرث والحصد والدرس) وعلى استعمال الأسمدة والبذور الجيدة، و تطوير تقنيات السقي.
- تنظيم بعض الفلاحين المتوسطين في إطار تعاونيات.
- تقديم القروض عن طريق مؤسسة "القرض الفلاحي" بشروط امتيازيه.
- تشجيع الفلاحة العصرية (الأرز، القطن، قصب السكر، الشمندر،الحوامض، البواكير).
- تسهيل التسويق الخارجي عبر "مكتب التجارة الخارجية".
 لقد غيرت هذه السياسة من وجه البادية المغربية، ويمكن تلخيص المضاعفات الاجتماعية في النقط الآتية:
- التهافت على الأراضي من طرف المحظوظين (من خارج الدولة ومن داخلها) أدى إلى ظهور فئة الملاكين الكبار العصريين المرتبطين بالرأسمالية الزراعية. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى شريحتين: شريحة الملاكين الذين يسهرون على استغلال الأرض ( يمكن نعتهم بشريحة الفلاحين الأغنياء ) وشريحة الملاكين العقاريين الذين يشتغلون في ميادين أخرى (كبار الموظفين، التجار) ويستحوذون على الريع العقاري نتيجة احتكارهم للأرض.
- نظرا للأرباح السريعة والسهلة التي يوفرها النشاط الفلاحي، فقد ظهرت ولو بشكل ضعيف، فئة الرأسماليين الزراعيين الذين يكترون الأراضي من أجل استغلالها استغلالا رأسماليا (فهم غير مالكين).
- ساعدت هذه السياسة على تحويل فئة الملاكين العقاريين الشبه الإقطاعيين من فئة تقليدية تعتمد الوسائل والعلاقات العتيقة إلى فئة تعتمد الوسائل والتقنيات العصرية والعمل المأجور الرأسمالي في الاستغلال.
- شجعت هذه السياسة الكثير من الموظفين السامين، خصوصا العسكريين منهم، من الاستيلاء على أراضي جديدة، كما اهتم الكثير من البرجوازيين الحضريين بالنشاط الفلاحي كنشاط تكميلي.
و قد كان الخاسر الأكبر في هذه السياسة هم الفلاحون المتوسطون والصغار، الذين تدهورت وضعيتهم، وشرد الكثير منهم، فمنهم من التحق بالطبقة العاملة كعمال زراعيين، ومنهم من هاجر إلى المدينة للبحث عن عمل، وهكذا انتشرت وازدهرت أحياء،  بل،  مدن الصفيح.
 لقد مكنت سياسة "عصرنة الفلاحة"، وسياسة السدود فئة من الوصوليين والانتهازيين ومصاصي دماء الكادحين ومن أفراد القصر وخدامه... من الاستيلاء على أجود الاراضي في البادية المغربية، واحتكار مياهها، مما أدى إلى تفقير وتهجير الملايين من أصحابها الأصليين.

ثالثا – الدولة و القطاع الفلاحي خلال عقد السبعينات
- إنهاء وجود الملكية الأجنبية في القطاع الفلاحي. إن سيرورة  "القضاء" على لملكية الأجنبية للأراضي الفلاحية بدأت غداة استقلال 1956، و انتهت بشكل تام سنة 1973 مع "قانون المغربة".
- مواصلة سياسة السدود مع ما يواكبها من الاستيلاء على أراضي جديدة، وتشريد أهلها، وتقوية نفوذ البرجوازية الزراعية.
- توزيع جزء من أراضي الدولة المسترجعة على بعض الفلاحين بهدف تقوية الفئة المتوسطة من الفلاحين للتخفيف من حدة الصراع الطبقي في البادية.
- خلق شركة التنمية الفلاحية (SODEA) وشركة الاستثمارات الفلاحية (SOGETA) من أجل تدبير أراضي الدولة الفلاحية.
- مواصلة تشجيع الفلاحة التصديرية على حساب الحاجيات المحلية.
- سن قانون الاستثمار الفلاحي الذي يخدم بالأساس مصالح الملاكين الكبار(القروض الامتيازية، الإعفاء الضريبي...).

رابعا – السياسة الفلاحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة
  بعد عقد من سن "قانون المغربة" ، و في إطار "سياسة التقويم الهيكلي"، فتحت الدولة المجال للرأسمال الأجنبي للاستثمار في القطاع الفلاحي، حيث استفاد العديد من الأجانب (فرنسيين، اسبانيين، سويسريين...)  من تفويت أراضي الدولة في إطار عملية كراء ، كما استفاد العديد من الأطر العسكرية من أمثال الجنرال بناني و الجنرال القادري...الخ، و من المقربين للقصر أمثال الأمير مولاي إسماعيل، و من  قادة الأحزاب السياسية أمثال الدكتور الخطيب، المؤسس لحزب العدالة و التنمية، و إسماعيل العلوي من حزب التقدم و الاشتراكية، و أحرضان من الحركة الشعبية...الخ
لقد تمركز الرأسمال الزراعي الأجنبي بالأساس في منطقتي سوس (البواكير،  الحوامض...) و مكناس (العنب و إنتاج المشروبات الكحولية).
 و يمكن تركيز بعض المستجدات من سياسات الدولة في القطاع الفلاحي في النقط الآتية.
أ- اتفاقيات "التبادل الحر" مع الولايات المتحدة ألأمريكية، و الاتحاد الأوربي، و هي اتفاقات غير متكافئة لاختلال موازين القوة لصالح الآخرين.
ب – "مخطط المغرب الأخضر": لقد حددت أسس و أهداف هذا المخطط من طرف "مكتب الدراسات الدولي "ماكنزي"" وذلك خلال سنتي 2007 و 2008، و يمتد انجازه إلى سنة 2020.
يرتكز المخطط على دعامتين أساسيتين: الفلاحة التنافسية ذات القيمة المضافة العالية، و الفلاحة التضامنية ذات الوظيفة الاجتماعية.
"لذا سوف يتم التركيز على ما استجد فيما يخص الآليات والأدوات المزمع تعبئتها بغرض تكثيف التراكم الرأسمالي في بيئة إنتاجية تغلب عليها الاستغلاليات الصغيرة و المتوسطة و تعاني من خصاص معيق في تكتيل الإنتاج و تنظيمه. بغية تجاوز هذه الأوضاع، أفرد المخطط عناية خاصة للإنتاج التعاقدي في إطار نماذج جديدة "لتجميع الإنتاج" و لمراجعة عميقة لبنية و أغراض "صندوق التنمية الفلاحية"" (محمد موساوي)
و لبلوغ الأهداف المسطرة، سيتم  تنظيم الفلاحين الصغار و المتوسطين حول ملاكين عقاريين كبار أو مستثمرين رأسماليين زراعيين، يتوفرون على أكثر من 100 هكتار و أبانوا عن نجاحهم في التسيير و التنظيم و المردودية العالية، و ذلك في إطار تعاونيات أو في إطار شراكة. و ليستفيد المشروع من دعم الدولة يجب جمع بين 200 و 000 2 هكتار لتكتيل الإنتاج.  و الهدف من هذا التجميع هو تجاوز معيقات "الاستغلاليات الصغيرة و المتوسطة" التي تطغى في الملكية، حيث يتجاوز عدد "الاستغلاليات الصغيرة جدا، و الصغيرة، و المتوسطة" 000 420 1 وحدة من ضمن حوالي 000 500 1 وحدة.
 يقول الخبير و الباحث محمد موساوي: " تنفرد هذه الشراكة حسب واضعي المخطط بالمزايا التالية :
- تمكين الفلاحين المنتسبين للتجميع (أي المجمعين، المفعول بهم) من الاستفادة من القروض التفضيلية الممنوحة من لدن الأبناك، اعتمادا على عقود التجميع الثلاثية الأطراف المبرمة بين المجمع والفلاحين والدولة ممثلة بوزارة الفلاحة؛
- استفادة الفلاحين من المدخلات ومختلف الخدمات (من تأطير و تكوين) التي يقدمها المجمع برسم بنود الشراكة المتفق عليها؛
- تقاسم المخاطر (و هذا هو بيت القصيد) بين المستثمر المجمع والفلاحين، حيث يتحمل الفلاحون مخاطر الإنتاج بشتى أنواعها - بما فيها تلك الصادرة عن الظروف المناخية- في حين يتكفل المستثمر بمخاطر التسويق؛ و يمكن لكلا الطرفين الحصول على تغطية تأمينية بشروط تحفيزية".
 و يشكل "صندوق التنمية الفلاحية" مند نشأته في أواخر الثمانينات، الأداة الأساسية في تطبيق سياسات الدولة في القطاع الفلاحي

خامسا – بعض المعطيات حول الوضعية الراهنة
-   حسب معطيات سنة  2012 الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط ، يساهم القطاع  الفلاحي في توفير الشغل ل 40 في المائة من الساكنة النشطة المشتغلة الإجمالية (التي يبلغ عددها 10.510.000 فردا) و يستوعب ما يقارب 80 في المائة من اليد العاملة القروية ، كما يضمن الدخل -جزئيا أو كليا-اللساكنة القروية المشتغلة بالفلاحة بمقدار يساوي  66 في المائة من الدخل الإجمالي
- حسب مصادر الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي- التوجه الديمقراطي، يمكن تقدير البروليتاريا الزراعية المرتبطة بالعمل المأجور بحوالي  000 000 1 فرد، 90 في المائة منهم غير مصرحين لدي صندوق الضمان الاجتماعي، مما يؤهل هذه الشريحة من الطبقة العاملة للعب دور رائد في الصراع الطبقي في أفق التغيير الجدري.
 -  تشكل منطقتي ماسة – شتوكا أيت بها  بسوس أهم موقع الاستثمارات الأجنبية بما فيها "الشركات المتعددة الجنسيات"، و يشكل منتوج المنطقة، خصوصا من الحوامض و البواكر حوالي 75 في المائة من صادرات المغرب في هذا الميدان.
- بعد استنزاف المياه الجوفية، بدأت تتجه أغلبية رأسمالي سوس الزراعيين إلى الصحراء الغربية، خصوصا منطقة الداخلة حيث أراضي خصبة و بأبخس الثمن، كما تحتوي تلك المناطق على احتياط هائل من المياه الجوفية.
- فزيادة على قلة الأمطار الموسمية، يعاني صغار الفلاحين و سكان تلك المناطق من قلة المياه نظرا لاستغلالها بشكل مفرط وعشوائي من طرف الرأسماليين الزراعيين.
- تشكل ملايين هكتارات أراضي الجموع، و أراضي السولاليات احتياطا للاستثمار الفلاحي جد مغريا يسيل لعاب  الرأسماليين الزراعيين.

الخلاصة العامة
   اقتصاديا، يبقى "القطاع العصري"، أي الرأسمالية الزراعية،  المحرك الأساسي للفلاحة المغربية، و  هو قطاع مندمج في السوق العالمية في إطار مبادئ "المنظمة العالمية للتجارة"، و في إطار اتفاقات "التبادل الحر" الغير المتكافئة، خصوصا مع الاتحاد الأوربي و الولايات المتحدة الأمريكية. أما "القطاع التقليدي"  المبني على الاستغلالية الصغرى و المتوسطة، و رغم أنه "يستوعب" ملايين من العائلات، فيبقى ضحية سياسات الدولة: عدم الاستفادة بالشكل الكافي  من القروض،   من مياه السدود، من المكننة، من الأسمدة...الخ و هو غير قادر على تلبية الحد الأدنى من العيش الكريم لملايين الفلاحين، مما يدفع العديد منهم إلى الهجرة  نحو المدن لتقوية أحزمة الفقر. فمن هشاشة البداية ينتقل هؤلاء إلى هشاشة أكثر قسوة، هشاشة الكريانات.
  من الملاحظ كذلك تداخل القطاعات فيما بينها حيث تجد "مجموعات" من الرأسماليين (في مقدمتها "اونا"، الهولدينغ الملكي) تنشط في الزراعة، في القطاع الصناعي، في القطاع البنكي، في قطاع التوزيع...الخ
    و أخيرا، يجب التذكير بأن هدف سياسات الدولة المخزنية في القطاع الفلاحي يبقى هو تلبية متطلبات المستهلك الأجنبي، و جني العملة الصعبة، أما حاجيات الجماهير الشعبية، فتبقى خارج أجنداتها و خارج اهتماماتها الأساسية.
على فقير، 20 أكتوبر 2014