mercredi 16 décembre 2015

حول التدبير المفوض ل على فقير

التدبير المفوض
 أو ضرب الدولة الرأسمالية لمكاسب شعبية
(على فقير)
  لا ينفصل ما تعرفه مدينة طنجة من احتجاجا شعبية ضد شركة "امانديس"، و ما عرفته الدار البيضاء سابقا ضد "ليديك"، عن ما تعرفه العديد من البلدان من احتجاجات ضد تفويت أهم المرافق/الخدمات العمومية للخواص،هذا التفويت الذي تنتج عنه ارتفاعات صاروخية في التعريفة.

أولا: تراجع دور الدولة البرجوازية في الاقتصادي و الاجتماعي
   يمكن تركيز الدور الاقتصادي و الاجتماعي للدولة البرجوازية في ميادين ثلاثة:
1 – الاستثمار "الرأسمالي": إنشاء أو المساهمة في إنشاء مؤسسات/مقاولات عمومية، هدفها الأساسي جني الربح، و ذلك على غرار المقاولات الخاصة: ريجي طابا، ضيعات فلاحية، كوفيطيكس، سامير، كوزيمار، صوماكا...قبل خوصصتها من طرف الدولة المغربية.  يخضع هذا النوع من المقاولات للتدبير و لمنطق السائدين في المقاولات الرأسمالية الخاصة.
2 –  الخدمات الاجتماعية الغير المؤدى عنها و في مقدمتها التعليم و الصحة، و مختلف الخدمات الإدارية كمصالح الحالة المدنية...ألخ
3 – الخدمات العمومية التي يساهم الموطنون في تمويلها جزئيا، و الدولة تتحمل الجزء الأخر في إطار سياسة الدعم: وكالات الكهرباء، وكالات الماء، النقل الحضري (الحافلات)، جمع النفايات...الخ. لا تخضع هذه الخدمات العمومية لمنطق الربح، و هي مرتبطة غالبا بالجماعات الترابية تحت وصاية وزارة الداخلية.
   يعد هذا التدخل الاجتماعي – الاقتصادي مكسبا في إطار النظام الرأسمالي، مكسبا فرضه تاريخيا:
-         خوف البرجوازية من امتداد لهيب الثورات العمالية إلى بلدانها، و ذلك بعد ثورة أكتوبر 1917 بروسيا، و انطلاق الثورة الصينية سنة 1927، و تعاظم المد التحرري الوطني عبر البلدان المستعمرة...
-         اضطرار الدولة البرجوازية إلى التدخل في المجال الاقتصادي اثر انهيار الاقتصاد العالمي سنة 1929، التدخل الذي نظر له "جون كينز" آن ذلك، تدخل نتج عنه تأثير ايجابي في المجال الاجتماعي (على مستوى الشغل).
-         تحقيق على مستوى الخدمات العمومية مكاسب اجتماعية مهمة تحت حكومة الجبهة الشعبية بفرنسا سنة 1936، مكاسب ورثناها في المغرب بعد استقلال 1956
    لقد انتظرت البرجوازية مرحلة الجزر الذي تعرفه حركة التحرر الوطني، و بداية انهيار "المعسكر الاشتراكي"، و تراجع الحركة النقابية، و شبه انهيار الحركة الشيوعية...لتقوم "بعملية المراجعة" من أجل ضرب أهم الحقوق المكتسبة. انطلق هذا الهجوم المضاد مع بروز نظريات فكرية ليبرالية، عبدت الطريق أمام تطبيق "سياسية التقويم الهيكلي"، بداية الثمانيات، تلك السياسة التي سهرت مختلف المؤسسات المالية و الاقتصادية العالمية على فرض تطبيقها: البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، المنظمة العالمية للتجارة....الخ
انطلقت مركزيا عملية تصفية المكتسبات من بريطانيا و من الولايات المتحدة الأمريكية و ذلك، تزامنا مع فوز "تاتشر" و "ريغان" في الانتخابات، و فرضت في إطار "سياسة التقويم الهيكلي" على مختلف البلدان التبعية.
  في هذا الإطار يجيب فهم "التدبير المفوض" المتعلق بالخدمات العمومية الذي يشكل وجها من أوجه الخوصصة، تلك الخوصصة التي استفادت منها شخصيات معنوية و ذاتية، و ذلك على حساب أوسع الجماهير الشعبية. خسارة فرضها ميل ميزان القوة لصالح الرأسماليين و لصالح مختلف المضاربين.

ثانيا: التدبير المفوض كوجه للخوصصة
1 – التعريف(القانون المغربي)
   عرف "الظهير الشريف"  رقم 1.06.05 الصادر في 14 فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 54.05, التدبير المفوض كما يلي: "يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بموجبه شخص معنوي خاضع للقانون العام يسمى "المفوض" لمدة محددة تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى "المفوض إليه" يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا، ويمكن أن يتعلق التدبير المفوض كذلك بإنجاز أو تدبير منشأة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العام المفوض." (المادة  2 من القانون 54.50)
"يطبق هذا القانون على عقود التدبير المفوض للمرافق و المنشآت العمومية المبرمة من قبل الجماعات المحلية أو هيأتها و المؤسسات العمومية" (المادة 1 من القانون 54,50)
   تفويت تسيير المرافق العمومية للخواص في إطار عقد ما يصطلح عليه" التدبير المفوض"، حديث العهد، حيث ارتبط بازدهار العولمة و سيادة الرأسمالية الليبرالية.
  بدأ تداول هذا المصطلح بفرنسا سنة 1987 اثر دورية 7 غشت 1987 المتعلقة بتدبير/تسيير أهم المرافق العمومية، تم تدقيقه و تقنينه خلال التسعينات.

2 – الخوصصة، التحرير، التدبير المفوض
-         الخوصصة: تحويل رأسمال مؤسسة عمومية أو جزء منه إلى الخواص: حلة سامير، كوزيمار، صوماكا، ساتيام....الخ
-         التحرير: فك احتكار الدولة الذي تمارسه في قطاع معين، فاتحة المجال أمام الرأسمال الخاص: ميدتيل، اينوي في ميدان الهاتف، الإذاعات الخاصة في ميدان الإعلام السمعي، النقل العمومي في المدن...الخ
-         التدبير المفوض: تفويت التدبير لقطاع ما، كانت الدولة (أو الجماعات الترابية ) هي التي تباشر تسييره، ليصبح مفوضا بتسييره للخواص، على أساس عقد محدود المدة ، يمكن أن تصل إلى 30 سنة، و على أساس "دفتر التحملات" تتحدد فيه شروط التعريفة، أهم الاستثمارات...الخ: حالات تدبير مرافق توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل...المفوض لشركات "ليديك" بالدار البيضاء، "ريدال" بالرباط" أمانديس" بطنجة و تطوان...الخ، جمع النفايات،  النق الحضري، "مواقف" السيارات...الخ
  لا تختلف الخوصصة و التحرير، و التدبير المفوض من حيث الأهداف، فهي تستهدف الاقتصاد الوطني، و المكاسب الاجتماعية، تعمق التبعية و تفقير الجماهير الشعبية.

ثالثا: حالة المغرب
     ارتبط تفويض تدبير المرافق/الخدمات العمومية بعمليتي الخوصصة و التحرير، و ذلك منذ أواسط التسعينات، حيث تم توقيع أول عقد للتدبير المفوض سنة 1997 بين المجموعة الحضرية بالدار البيضاء، و شركة " La Lyonnaise des eaux "/ "ليديك" الفرنسية، تقوم بموجبه هذه الأخيرة بتدبير مرافق الماء، و الكهرباء، و التطهير السائل لمدة 30 سنة.
  لقد سلكت فيما بعد مجموعات حضرية أخرى نفس المنهج: توقيع مجموعتي الرباط و سلا عقد التدبير المفوض مع "ريضال" (سنة 1998)، نفس الشيء بالنسبة لمجموعتي طنجة، و تطوان مع "أمانديس" (منذ سنة 2002)...الخ
   رغم مساهمة أطراف مغربية كأقلية في  رأسماليهما فان "ريضال" و "أمانديس" تبقى تابعة للعملاق الفرنسي "فيوليا"/ VEOLIA التي تحدد ،كالمساهم الأساسي، الأولويات و الإستراتيجية لتحقيقها.
1-   القانون المؤطر للتدبير المفوض.
  بعد سنوات من التخبط، من الارتباك و الجدل السياسي، نظرا للفراغ القانون الذي تعرفه عملية تقويت تسيير مرافق حيوية للرأسمال الخاص، صدر الظهير رقم 1.06,15 المتعلق بتطبيق القانون 54.05 الخاص بالتدبير المفوض للمرافق العمومية و ذالك، يوم 14 فبراير 2006 .
   إذن يعتبر قانون 05-54 الإطار المنظم للتدبير المفوض بالمغرب سواء بالنسبة للدولة متمثلة في إداراتها و مصالحها أو بالنسبة للجماعات المحلية، و قد شمل التفويت إلى حد الآن الماء، و الكهرباء، و التطهير السائل، و تدبير مواقف السيارات، و النقل العمومي الحضري...الخ
   يتم أنشاء وإنهاء عقد التدبير المفوض وفق عقد اتفاق بين الطرفين، المفوض والمفوض إليه، و دْلك ضمن العناصر الأساسية المكونة له، و هي ثلاثة (المادة 12 من القانون 54.50)
-         الاتفاقية: تحدد الالتزامات الأساسية للطرفين المتعاقدين
-         دفتر التحملات : يشكل جزءا مهما من العقد , حيث يتم وضع كافة الشروط و الكيفيات التي  يقوم عليها التفويت: التسعيرة، أهم الاستثمارات...الخ
-          الملحقات : تضم كافة الوثائق المرافقة  التي من شأنها أن تساعد الطرفين في تطبيق العقد و إنجاحه ( جرد للأموال المنقولة و العقارات، خرائط الأحياء، تواجد الزبناء...الخ).
  نظريا، هناك مبادئ سطرها المشرع من خلال القانون 54,05، من أهمها:
-         الشفافية في التعاقد: ضمان المنافسة النزيهة بين العروض... (المادة 5 من القانون 54.50)
-         تحديد سنويا ثمن متوسط يتفق عليه المفوض إليه و السلطات العمومية
-         استمرارية المرفق مهما كانت الظروف و النزاعات
-         جودة الخدمات
-         ......
2 – الملاحظات الأساسية.
-          غياب الشفافية و المنافسة في عقود التدبير المفوض، حيث سلم تسيير المرافق العمومية إلى الرأسمال الفرنسي بخلفيات سياسية، كما سلمت سابقا  شركة "سامير" للرأسمال السعودي بخلفية سياسية مما أدى إلى الأزمة التي تعيشها حاليا.
-         لم تلتزم "ليديك" و "ريضال"، و "أمانديس" بأهم مقتضيات عقود التفويت، خصوصا في ميدان الاستثمار، حيث تكتفي في غالب الحالات بإصلاحات ترقيعية (حالة صيانة شبكات الصرف)
-         التجأت إلى أساليب تحايلية من أجل تهريب الأموال للخارج.
-         تضخيم فواتير الكلفة لتقليص الضريبة على الشركات...الخ
  مما جاء في تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات " غير أن الشركات المفوض اليها لم تنجز إلا جزئيا الاستثمارات المتعاقد بشأنها كما أنها قامت، في بعض الأحيان، باستخدام "صندوق الأشغال"، الذي يعد رافعة أساسية للاستثمار، في أغراض لا تتطابق و الأهداف التي أنشئ من اجلها هذا الصندوق."...الخ
   لقد عرفت برلين بألمانيا حركة احتجاجية سنة 2012 ضد "فيوليا" شركة الأم ل"أمانديس"
لتلاعبها في فواتير الماء و الكهرباء، الاحتجاجات التي أدت إلى طرد الشركة و إعادة تدبير المرفقين العموميين إلى الدولة، كما سبق لنفس الشركة أن طردت سنة 1993من الأرجنتين لعدم احترامها لالتزاماتها.
  لا تختلف أسباب الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها مدن شمال المغرب حاليا، عن الأسباب التي فجرت غضب الجماهير في ألمانيا و الأرجنتيني، الغضب الذى أدى إلى طرد شركة "فيوليا" من الدولتين، نفس الطرد تطالب به اليوم الجماهير في طنجة و تطوان...الخ
الخلاصة:
  لا يستجيب التدبير المفوض لحاجيات الجماهير الشعبية أكثر مما يستجيب لرغبة الدولة في التنصل من مسؤولياتها الاجتماعية و فتح المجال أمام الرأسمال الخاص للاغتناء على حساب الشعب المغربي.
  لقد حول التدبير المفوض للمرافق/الخدمات العمومية المواطنين من مستفيدين (نسبيا) من تلك المرافق إلى زبناء عاديين، زبناء حولتهم العقود إلى مصدر للربح الرأسمالي.
  تحدث القانون 54.50 المنظم للتدبير المفوض عن "المفوض" و المفوض اليه"، وغيب كليا المواطن و حقوقه، و هو المعني قبل كل شيء بالمرافق العمومية.
  يشكل تفويت تسيير المرافق العمومية للشركات الفرنسية دعامة لسيادة المصالح الفرنسية في المغرب، و تقوية لعلاقة التبعية التي تربط المغرب بفرنسا، مما يضمن في المقابل سكوت الدولة الفرنسية عن مختلف الانتهاكات و الخروقات التي يعرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان, و وقوفها بجانب النظام السياسي كلما تعرض للهزات الشعبية.
على فقير، يوم 20 نونبر 2015

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire