lundi 15 septembre 2014

التشكيلة الاجتماعية...الخ: الحلقة (جديدة) الخامسة




الجزء الثالث : المغرب بعد 1956
 الحلقة الخامسة

أولا : طبيعة استقلال 1956
        
  إن وثيقة الاستقلال الموقعة في 2 مارس 1956 مع فرنسا، والإعلان الإسباني عن تخليها على شمال المغرب (7 أبريل 1956)، واسترجاع طنجة في 29 أكتوبر 1956، كل هذا جاء نتيجة المفاوضات التي شملت ثلاثة أطراف: الطرف الاستعماري، و ممثلو الفئات الاجتماعية المغربية التي استفادت من الاحتلال الاستعماري لتحتل مواقع مهمة (الملاكون العقار يون، القواد وكبار خدام المخزن والدولة الاستعمارية، المثقفون الليبراليون أمثال اكديرة) وممثلو الحركة الوطنية (الجناح السياسي).
  وقـد بـدأت فعليـا هذه المفاوضـات منـذ 22 غشت 1955 بإيكـس ليـبـان الفرنسيـة (Aix-les-Bains) وبتواطؤ الفئات الاجتماعية المغربية المرتبطة بالاستعمار، وأمام ضعف ممثلي الحركة الوطنية (خلافات داخلية، انعدام الوضوح في الرؤية حول المغرب المستقل)، تمكنت فرنسا من فرض منظورها وشروطها، وفرضت على المغرب استقلالا شكليا.
وقد تشكلت أول حكومة المغرب المستقل برئاسة مبارك البكاي أحد ممثلي ركائز الاستعمار الجديد.

ثانيا : المغرب بين 1961-1956 احتداد الصراع السياسي-الطبقي

  انفجر الصراع في البادية بين حزب الاستقلال (الذي يمثل الحركة الوطنية، والذي كان يعبر عن المطامح المشتركة بين مختلف طبقات الشعب المغربي بما فيها الفئات البرجوازية المتضررة من سيطرة الرأسمال الأجنبي) من جهة، وفئات الملاكين العقاريين،الكبار منهم بالخصوص، والأطر العسكرية التي تربت في أحضان الجيش الاستعماري وساهمت في الحروب الإمبريالية عبر العالم، وكبار موظفي الدولة الاستعمارية من جهة ثانية. ويدخل في هذا النطاق تمرد عدي وبيهي في يناير 1957، وعدد من الموالين للاستعمار والمخزن في عدد من المناطق المغربية.
  وتمكنت هذه الفئات الرجعية، وبتشجيع من أوساط لها امتدادات داخل القصر، من خلق حركة قوية ضاغطة، شلت فعالية الحكومات المتعاقبة إلى حدود 1961 رغم التواجد العددي الكبير لوزراء الحركة الوطنية.
  وقد اتخذت هذه الحكومات مواقف مخجلة  من عدة القضايا:
- تشكيل النواة الأولى من الجيش الملكي في 14 مايو 5619 بتأطير و بقيادة الضباط  الذين تكونوا داخل الجيوش الاستعمارية و المعادين للفكر التحرري و الشيوعي، وفي غياب أطر جيش التحرير والمقاومة المسلحة.
- قمع انتفاضة أكتوبر 1956 بمكناس التي احتجت من خلالها الجماهير الشعبية على اختطاف الاستعمار الفرنسي لقادة جبهة التحرير الجزائرية المتوجهين من الدار البيضاء إلى تونس على متن طائرة مغربية.
- السكوت على قرار حل جيش التحرير واعتقال بعض أطره الراديكاليين.
- التواطؤ المكشوف في عملية ايكوفيون التي استهدفت المقاومة المغربية والصحراوية من طرف فرنسا وإسبانيا.
- تزكية الحرب الابادية التي استهدفت سكان الريف والتي قادها الأمير الحسن.
- تزكية بالصمت منع الحزب الشيوعي
   كان حزب الاستقلال في الواقع المعبر السياسي لجبهة طبقية وطنية التفت حول هدف "الاستقلال".
  وبعد 1956، طرح السؤال "ما العمل؟"، و في إطار البحث عن الأجوبة لهذا السؤال قدمت بطبيعة الحال أجوبة مختلفة تعبر في العمق على تناقض المصالح الطبقية والفئوية.
 لم تصمد الحركة الوطنية أمام عناد الصراع الطبقي : فقيادة جيش التحرير والمقاومة المسلحة التي تعبر موضوعيا عن مصالح الفئات الدنيا من البرجوازية الصغيرة المدينية والقروية، رفضت الأمر الواقع الجديد ودخلت في تمرد عن الحزب و عن المخزن في آن واحد، كما اتخذت تقريبا نفس الموقف المركزية النقابية، الاتحاد المغربي للشغل التى كانت تهيمن فيها الأرستقراطية العمالية (الفئة العليا الأقل تضررا من الاستغلال)، وقد التحق بكل هؤلاء فئات من المثقفين التقدميين، و فئات اجتماعية عريضة من البرجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا لينشئ الجميع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي خرج من رحم حزب الاستقلال ، وفي نفس الوقت تنظمت أغلب الفئات الرجعية بقيادة الملاكين العقارين الكبار الشبه-الإقطاعيين في حزب الحركة الشعبية الذي لقي كل تشجيع ودعم من طرف القصر.
  لقد تمكن الطرف التبعي لفرنسا بالخصوص من ضبط أهم دواليب الدولة وتنظيم قاعدته الاجتماعية، هذا ما سهل عليه قلب موازين القوة بشكل نهائي لصالحه، خصوصا وأن الحركة الوطنية قد تفككت نظرا لتناقضاتها الداخلية، وتذبذب أهم أطرها في اتخاذ موقف واضح من طبيعة وشكل النظام.

ثالثا : المغرب بين 1971-1961 : التحولات لاقتصادية

  توفي محمد الخامس في 2 مارس 1961 إثر عملية جراحية بسيطة، وخلفه الأمير الحسن الذي ساهم منذ 1956 في أهم الأحداث التي عرفها المغرب بجانب كبار الضباط أمثال أفقير، المدبوح، امزيان، الكتاني، أمحزون وبدعم من المثقفين الليبراليين مثل جديرة، وإدريس السلاوي وبمجيء الملك الجديد، دخل المغرب عهدا جديدا عرف تحولات عميقة.

-1 المسألة الدستورية:
  لقد طلب الحسن الثاني من خبراء فرنسيين تهيئ مشروع دستور يشرعن العلاقات المخزنية السائدة في المجتمع المغربي منذ قرون. وهذا ما وقع فعلا.
إن مشروع الدستور المطروح فوقيا للاستفتاء الشكلي قد ركز (مثل جميع الدساتير اللاحقة) كل السلط بين يدي الملك.
  لقد صوت حزب الاستقلال لصالح الدستور، وقاطعه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وامتنع عن التصويت الاتحاد المغربي للشغل. نزل القصر بجميع قواه لمنع المعارضين من التعبير عن موقفهم من الدستور الرجعى المنافي لأبسط مبادئ الديمقراطية.
 وقد شكل هذا الحدث أول انتصار للملك الجديد في سنته الأولى من الحكم.
-2 المسألة الانتخابية :

  لقد جرت الانتخابات البرلمانية في السنة الموالية، ورغم تشكيل جبهة واسعة (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية FDIC) من كل ما هو رجعي في المجتمع (تحت شعار الدفاع عن حزب الملك) وتسخير الدولة لكل إمكانياتها خدمة لهذه الجبهة، وبمباركة القصر، ورغم القمع الشرس والإرهاب الذي استعمل ضد المواطنين خصوصا في البوادي، فقد تمكن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال من الحصول على حوالي 50% من المقاعد.
   شكلت هذه النتيجة، هزيمة للنظام، هذا ما دفعه إلى تصعيد القمع ضد الاتحاد الوطني، وحتى ضد حزب الاستقلال في البادية، مما أدى إلى موقف موحد بين الحزبين: مقاطعة الانتخابات الجماعية التي جرت خلال السنة الموالية وأعطت مجالس مشوهة.

-3 تعطيل الدستور :
  أمام حدة الصراع، وبعد انتفاضة مارس 1965 الشعبية، وتفكك الجبهة الرجعية بعد قرار الحركة الشعبية بقيادة احرضان الخروج منها، وتمكن الحزبان الوطنيان من تمرير ملتمس الرقابة ضد الحكومة، اضطر الحسن الثاني إلى حل البرلمان، وتعطيل العمل بالدستور الممنوح، وإعلان حالة الاستثناء من 6519 إلى صيف 1970.

-4 التحولات الاقتصادية والاجتماعية :     
  يمكن اعتبار الستينات مرحلة تعميق بناء اقتصادي رأسمالي تبعي مخزني، هذا الاقتصاد الذي يسمح لفئات اجتماعية محلية الاستفادة من أنشطة اقتصادية دون المساس  بجوهر مصالح الرأسمالية العالمية.
  وهكذا تمكن الرأسمال النقدي الذي راكمته بعض الفئات المحلية عبرالريع العقاري والأرباح التجارية، والأجور الخيالية، ومن الرشوة ونهب المال العام... لقد  تمكن هذا الرأسمال من أن يتحول إلى رأسمال "منتج" عبر شراء المقاولات من الأجانب ومن اليهود المغاربة الذين وقعوا في فخ الصهيونية، وعبر المساهمة في مقاولات أخرى الخخصوصا في قطاع الفلاحة، والصناعة والبناء كما توسعت دائرة هذا الرأسمال المحلي لتشمل التجارة الداخلية والخارجية، والعقار الحضري، والقطاع البنكي، وتطوير علاقات التشارك مع الرأسمال الأجنبي.

أ- التحولات الفلاحية :
   لقد اهتمت الدولة بالقطاع الفلاحي لاعتبارات عدة ومنها:
- إن معظم سكان المغرب كانوا مرتبطين بالأنشطة الفلاحية، وكانوا دائما خزانا أساسيا للانتفاضات والتمرد ضد المخزن، وهذا ما يتطلب سياسة جديدة لتأطير البادية.
- كانت الفلاحة، خصوصا الأنشطة العصرية منها، تشكل ورقة مربحة في العلاقات مع أوربا، في الوقت الذي تبقى فيها إمكانية التصنيع محدودة في إطار الاقتصاد التبعي.
- إن أهمية الأراضي الخصبة التي كانت بين أيادي المعمرين الأجانب (أكثر من 000 800 هكتار) كانت تشكل ثروة هائلة  تسيل لعاب المحظوظين المغاربة.
- كانت شريحة الملاكين العقاريين الكبار (الشبه-الإقطاعيين بالخصوص) تشكل الركيزة الأساسية للنظام في المغرب بشكل عام (من الناحية السياسية) وفي البادية بشكل خاص (من الناحية الاجتماعية)، خصوصا وأن جل الأطر العسكرية، وكبار موظفي وزارة الداخلية ينحدرون من هذه الشريحة.
   وقد تجلى تدخل الدولة في النقط الآتية:
- تسهيل عملية تفويت أراضي المعمرين وتنظيم هذا التفويت (للخواص وللدولة).
- نهج سياسة السدود لتوفير ماء السقي، وتوسيع مساحات الأراضي المستغلة.
- تأطير النشاط الفلاحي بخلق مكاتب جهوية للاستثمار الفلاحي (OMVA)، وتطوير المصالح المختصة الموجودة سابقا(CT) .
- تشجيع الملاكين على اقتناء الآلات الفلاحية العصرية (للحرث والحصد والدرس) وعلى استعمال الأسمدة والبذور الجيدة، و تطوير تقنيات السقي.
- تنظيم بعض الفلاحين المتوسطين في إطار تعاونيات.
- تقديم القروض عن طريق مؤسسة "القرض الفلاحي" بشروط امتيازية.
- تشجيع الفلاحة العصرية (الأرز، القطن، قصب السكر، الشمندر،الحوامض، البواكير).
- تسهيل التسويق الخارجي عبر "مكتب التجارة الخارجية".
 لقد غيرت هذه السياسة من وجه البادية المغربية، ويمكن تلخيص المضاعفات الاجتماعية في النقط الآتية:
- التهافت على الأراضي من طرف المحظوظين (من خارج الدولة ومن داخلها) أدى إلى ظهور فئة الملاكين الكبار العصريين المرتبطين بالرأسمالية الزراعية. ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى شريحتين: شريحة الملاكين الذين يسهرون على استغلال الأرض (الفلاحون الأغنياء؟) وشريحة الملاكين العقاريين الذين يشتغلون في ميادين أخرى (كبار الموظفين، التجار) ويستحوذون على الريع العقاري نتيجة احتكارهم للأرض.
- نظرا للأرباح السريعة والسهلة التي يوفرها النشاط الفلاحي، فقد ظهرت ولو بشكل ضعيف، فئة الرأسماليين الزراعيين الذين يكترون الأراضي من أجل استغلالها استغلالا رأسماليا (فهم غير مالكين).
- ساعدت هذه السياسة على تحويل فئة الملاكين العقاريين الشبه الإقطاعيين من فئة تقليدية تعتمد الوسائل والعلاقات العتيقة إلى فئة تعتمد الوسائل والتقنيات العصرية والعمل المأجور الرأسمالي في الاستغلال.
- شجعت هذه السياسة الكثير من الموظفين السامين، خصوصا العسكريين منهم، من الاستيلاء على أراضي جديدة، كما اهتم الكثير من البرجوازيين الحضريين بالنشاط الفلاحي كنشاط تكميلي.
و قد كان الخاسر الأكبر في هذه السياسة هم الفلاحون المتوسطون والصغار، الذين تدهورت وضعيتهم، وشرد الكثير منهم، فمنهم من التحق بالطبقة العاملة كعمال زراعيين، ومنهم من هاجر إلى المدينة للبحث عن عمل، وهكذا انتشرت وازدهرت أحياء،  بل،  مدن الصفيح.
 لقد مكنت سياسة "عصرنة الفلاحة"، وسياسة السدود فئة من الوصوليين والانتهازيين ومصاصي دماء الكادحين ومن أفراد القصر وخدامه... من الاستيلاء على أجود الاراضي في البادية المغربية، واحتكار مياهها، مما أدى إلى تفقير وتهجير الملايين من أصحابها الأصليين.

ب- الصناعـة:
   لقد حاولت الدولة تطوير بعض القطاعات الصناعية التي لا تمس جوهر التبعية الاقتصادية، و لضمان نجاح هذه السياسة  أنشأت بعض الآليات ومنها كمثال:
- البنك الوطني للتنمية الاقتصادية BNDE.
- مكتب التنمية الصناعية ODI.
كما ساهمت في إنشاء وحدات إنتاجية عمومية أو شبه عمومية كشركة تكرير البترول SAMIR، وSOMACA لتركيب السيارات، ومصانع السكر، والأسمدة، والنسيج، والإسمنت
    ساعدت هذه السياسة الرأسمال المحلي من احتلال بعض المواقع في الميدان البنكي والصناعي، إلا أن النشاط الصناعي كان يعتمد بالأساس على الصناعة التحويلية الخفيفة، وفي مقدمتها الصناعة الفلاحية "Agro-industrie".
  إن البرجوازية المحلية، بفئتيها الكمبرادورية (المرتبطة بالسوق العالمي) و"الوطنية" (المرتكزة على السوق الداخلي) تبقى ضعيفة التأثير وتابعة سياسيا للدولة المخزنية، نظرا لارتباط عملية توسيع أنشطتها بسياسة الدولة في جل الميادين.
إن سياسة التصنيع هذه قد رفعت من عدد العمال الذين تدهورت وضعيتهم نظرا لحماية الرأسماليين من طرف أجهزة الدولة، ونظرا لتعاظم الجيش الاحتياطي من اليد العاملة النازحة من البادية.
  ويمكن كذلك ملاحظة تقلص أهمية الصناعة التقليدية، نظرا لمنافسة منتوجها من طرف المنتوج الخارجي ومن طرف منتوج الصناعة العصرية، ونتيجة كذلك للتحولات العميقة التي عرفها الاستهلاك (تغيير الذوق والعادات)، و نتيجة اكتساح الرأسمالية وسوق المبادلات النقدية لمختلف مناطق مناطق.
لقد تحول الكثير من الصناع التقليديين إلى أشباه البروليتاريا، مستعدين للتخلي عن أنشطتهم إذا ما وجدوا عملا قارا في الوحدات الإنتاجية الرأسمالية.

ت- السياحـة:
  لقد شكلت السياحة بالنسبة للدولة الرهان الثاني، بعد الفلاحة وقد حاولت الدولة تشجيع الاستثمار في هذا القطاع وصرفت أموالا باهضة من أجل تنمية هذا القطاع، وقد أنشئ لهذا الغرض "القرض العقاري والسياحي" CIH.
  شكلت الدولة و المجموعات الأجنبية، أكبر المستثمرين في هذا القطاع. إلا أن نتائج هذا الاختيار تبقى محدودة نظرا للارتكاز على سياسة "السياحة الراقية"، ولعجز الدولة على تطوير "المنتوج" السياحي.

ث- التجـارة:
  لقد توسع مجال التجارة الداخلية بارتباط مع النمو الحضري، وبتطور المبادلات المغربية، وبتطور عقلية وذوق المستهلك المغربي.
استفادت من جهة أخرى فئة من التجار الكبار من علاقات المغرب الخارجية ومن مغادرة التجار الأجانب للمغرب، فنمت هذه الفئة مصالحها وراكمت أموالا باهضة صرفتها في العقار بالأساس أو أودعتها في الأبناك الخارجية، وتتميز هذه الفئة بعقلية المضاربة وانتهاز الفرص الخ
   وفي الجانب الآخر، نجد التجار الصغار والمتوسطين الذين ينتمون طبقيا للبرجوازية الصغيرة. و قد تضاعف وبشكل كبير عدد هؤلاء.


5- المقاومة الشعبية:
  لقد صاحب هذه التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية، صراعات اجتماعية متعددة الأشكال.
  ففي البادية، كانت حركة الفلاحين تقاوم النهب الذي تتعرض له أراضيهم، هذا من جهة، وكانت تهدف من جهة أخرى، استرجاع أراضيهم التي استولى عليها المعمرون الأجانب، والتي فوتت في إطار صفقات مشبوهة للدولة أو المعمرين الجدد (المغاربة)، لقد أدت هذه الحركات المطلبية والاجتماعية إلى اصطدامات مع أجهزة الدولة ألقمعية أدت إلى استشهاد عدد من الفلاحين (مثال أولاد خليفة بإقليم القنيطرة سنة 1970).
  والملاحظ أن هذه الحركات غير مؤطرة سياسيا، وأغلبها عفوية، وهذا ما جعلها غير شاملة ومستمرة، وبالتالي لم تؤدي إلى نتائج مهمة.
  أما على المستوى الحضري، فإن الطبقة العاملة الموحدة نقابيا في إطار الاتحاد المغربي للشغل، قد خاضت نضالات هامة في مختلف القطاعات، وتمكنت بفضل كفاحاتها من تحقيق نتائج إيجابية كالرفع من الأجور، وتحسين ظروف العمل.
  والملاحظ كذلك أن هذه النضالات قد بقيت سجينة المنظور الاقتصادوي للصراع الذي تبنته القيادة النقابية منذ بداية الستينات، والذي يعبر في الجوهر على منظور الأرستقراطية العمالية (الفئة العليا من المستخدمين الذين يتمتعون بامتيازات مهمة)، وكانت أغلب الإضرابات قاعدية وعفوية، تفرض نفسها على الإطارات البيروقراطية.
  و يمكن تسجيل كدالك أن العمال، كطبقة لم يلعبوا دورهم السياسي القيادي في الصراع ضد الحكم وقاعدته الاجتماعية، نظرا لافتقارهم للأدوات التنظيمية المسلحة بالفكر الاشتراكي الماركسي –اللينينى.
  عرفت نفس الفترة، أي بين 1960 و 1971، محاولات التيارات الثورية الاتحادية قيادة الكفاح المسلح ضد الحكم بدون جدوى، وأهمها محاولة تيار شيخ العرب الذي استشهد في ساحة المعركة، صيف 1964.
  إلا أن الحدث البارز في تلك المرحلة يبقى هو الانتفاضة الشعبية في مارس 1965، والتي انطلقت شرارتها من الدار البيضاء. وقد استعمل فيها الحكم مختلف أسلحة لقتل عشرات الأبرياء.
  والملاحظ أن الانتفاضة كانت عفوية. وقد تخاذلت مختلف القوى السياسية في التعامل معها.
لم تنشف بعد شوارع الدار البيضاء من دماء الشهداء، حتى طلب الحسن الثاني من قادة الأحزاب السياسية، وفي مقدمتهم علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعته، الالتحاق بإفران للتشاور و تجديد الولاء، وقد أتضح أن هؤلاء قد لعبوا في تلك المرحلة والمراحل اللاحقة دور "رجال المطافئ"، يستعين بهم القصر عند الضرورة.
إن قيادة الحركة الوطنية، نظرا لطبيعتها البرجوازية المتوسطة والصغيرة، ونظرا لأوهامها الإصلاحية، قد أخطأت أهم مواعيدها مع التاريخ، وأوقعت بالآلاف من المناضلين في مستنقعات التوافقات والعمالة الطبقية.
  لم تتمكن قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب التقدمي الجماهيري، ولو في لحظة معينة من تجنيد الجماهير بشكل عام، ومنا ضليها بشكل خاص ضد الحكم رغم مؤامراته المتعددة ( 63-64-65-67-70...الخ) ضد الحزب، و رغم سياسة التصفيات الجسدية التي كانت تقوم بها أجهزته (حالة الشهيد المهدي بنبركة).
  إن قيادة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة لحركة النضال ضد الحكم منذ أواخر الخمسينات لم تكن في مستوى طموحات الشعب المغربي، وقد أدى تذبذبها وتخاذلها في الكثير من الأحيان إلى تراجعات وإحباطات خطيرة.

6 - ظهور الحركة-الماركسية-اللينينية المغربية:
        
  لقد شكلت انتفاضة مارس 65 تحولا أساسيا في وعي الشباب المغربي، وزلزالا حقيقيا داخل الأحزاب التقدمية (الاتحاد والحزب الشيوعي)، نظرا لتخاذل قيادتها. لقد اتضح لعدد من المناضلين المتحزبين والغير المتحزبين أن فشل النضال ضد الحكم يرجع بالأساس إلى الطبيعة الطبقية البرجوازية لقيادة هذا النضال، وهذا ما دفع العديد من الثوريين إلى بناء أنوية ماركسية- لينينية أعطت بالأساس منظمة " 23 مارس" ومنظمة "إلى الأمام". (انظر التفاصيل في كتيب "إلى الأمام" منشورات النهج الديمقراطي).
  وقد تمكنت الحركة الماركسية-اللينينية المغربية من قيادة كفاح الشبيبة المغربية ابتداء من سنة 1970، وكان طموحها هو الانغراس داخل الكادحين بشكل عام، وداخل الطبقة العاملة بشكل خاص، على طريق بناء الأدوات الثورية، وفى مقدمتها حزب الطبقة العاملة، الحزب الشيوعي، من اجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، في أفق تشييد المجتمع الاشتراكي الخالي من استغلال الإنسان للإنسان.
   (هناك جزء هام سيخصص للحركة الماركسية اللينينية المغربية)
- يتبع -

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire