jeudi 25 septembre 2014

التشكيلة الاجتماعية...الحلقة (جديدة) السابعة

خا مسا:  المغرب بين 1981- 2004

  إذا كانت ركائز الاقتصاد التبعي قد بنيت خلال العقود الأخيرة، و واكبت هذا البناء سيرورة الإفرازات الطبقية الأساسية، فإن التشكيلة الاجتماعية، بما فيها الجانب الاقتصادي، قد عرفت خلال مرحلة 1981- 200 تحولات كيفية وكمية عميقة، كما تميزت بأحداث مثيرة ستطبع، لا محالة، مستقبل المغرب.

1- السياسة الاقتصادية:
    لقد شكلت توصيات المؤسسات المالية العالمية المرجعية التي سترتكز عليها السياسة الاقتصادية المغربية، خصوصا منذ بداية الثمانينات إلى يومنا هذا.
وقد حددت "سياسة/برنامج التقويم الهيكلي" التوجهات الأساسية للسياسة الاقتصادية المغربية، والتي يمكن تلخيصها في النقط الرئيسية آلاتية:
§     تحقيق التوازنات الماكرو- الاقتصادية، والتي تتطلب تخفيض نفقات الدولة في الميادين الاجتماعية ( التعليم، الصحة، التشغيل، السكن...) و تجميد الأجور...
§     "تحرير" الاقتصاد وعدم تدخل الدولة (إعطاء الحرية التامة للقطاع الخاص المغربي و الأجنبي للتصرف في الخيرات الوطنية بدون مراقب).
§     خوصصة القطاع العام.
§     إصلاحات جبائية تخدم بالأساس مصالح الرأسمال الكبير.
§     إصلاحات إدارية.
§     إصلاحات قضائية.
§     سن مدونة شغل "عصرية" تشرعن "المرونة في العمل وفي الأجور" لما يخدم مصالح الباطرونا.
  و قد استجابت الدولة المغربية لأهم توصيات المؤسسات المالية، و التي تستجيب في نفس الوقت لمطالب التكتل الطبقي السائد باسم ضرورة تأهيل المقاولة المغربية لمواجهة المنافسة الخارجية التي فرضتها العولمة الاقتصادية.
و يمكن تلخيص أهم الخطوات التي اتخذها الحكم في إطار" سياسة/برنامج التقويم الهيكلي" في النقط الآتية:

توزيع، في إطار عملية الكراء و الهبة، جزء هام من الأراضي الفلاحية العمومية.  توقفت هذه العملية بعد انطلاقها تحت ضغط المؤسسات المالية، لأن الأراضي منحت لأناس (كبار الضباط، زعماء سياسيين، أقرباء القصر...) بعيدين كل البعد عن المستثمرين الرأسماليين.

§     إصلاحات جبائية مهمة بقيادة محمد برادة، ابن عائلة برجوازية كبيرة: تغيير الضرائب القديمة بضرائب عصرية جديدة مثل الضريبة على القيمة المضافة، و الضريبة على الشركات، و الضريبة العامة على الدخل... و تبقى الشركات الكبرى هي المستفيد الأكبر من هذه الإصلاحات، حيث نزلت النسبة المئوية التي تؤديها على الأرباح من 48% إلى 35% في النظام الجديد (و نزلت اليوم إلى النسبة الموحدة  30 المائة )، مثلها في ذلك مثل الشركات الصغرى و المتوسطة التي تؤدي الضريبة على الشركات؛ و استفاد كذلك الأغنياء من انخفاض نسبة الضريبة على القيمة المضافة للمواد الكمالية (مثل المجوهرات والويسكي...) من 30% إلى 20% التي تسري على المواد العادية.
§     انطلاق عملية الخوصصة التي مست المقاولات و المؤسسات العمومية المربحة (البنك المغربي للتجارة الخارجية، ستيام، شركة سامير، شركة التبغ، اتصالات المغرب، الأراضي الفلاحية التابعة للدولة...)؛ و قد تمت في غالب الأحيان الخوصصة في ظروف غامضة، و غير مفيدة من الناحية المالية المحضة، و مثال على ذلك ظروف تفويت شركة سامير لمجموعة كورال السعودية بثمن يقل ب 70% عن الثمن الحقيقي.
  استعملت أموال الخوصصة لمواجهة عجز ميزانية الدولة، و لتمويل صناديق خارجة عن المراقبة الحكومية و البرلمانية. و هكذا يتم بيع "مجوهرات العائلة " كما عبر عن ذلك الأستاذ إدريس بن علي، و تبذير العائدات في أشياء بعيدة كل البعد عن الاستثمار و لو بشكله الرأسمالي.
§     سن قوانين استثمارات جديدة تلغي قوانين المغربة السابقة، و تمنح امتيازات هائلة للرأسماليين الخواص، الأجانب منهم و المحليين.
§     إصدار عفو على المتملصين من أداء الضرائب، و من أداء المساهمات الاجتماعية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
§      توجت هذه الإجراءات التي تخدم بالأساس الرأسمال الكبير، الأجنبي و المحلي، بفرض أول مدونة الشغل (2004) تلغي الكثير من المكاسب التي فرضتها الطبقة العاملة في السابق، و يسمح بذلك للباطرونا أن تتصرف بحرية في" استقرار" العمل، و تحديد الأجور، و في ظروف التسريح، و التعويض، و في شروط الإضراب... بطبيعة الحال،  هناك قوانين تضبط بعض الجوانب من هذه الإشكالات، إلا أن هذه القوانين تبقى في جوهرها منحازة للرأسمال.

و الملاحظ، أن الدولة المغربية لم تباشر بعد الإصلاحات الإدارية و القضائية المطلوبة من طرف المؤسسات الدولية؛ لأن هذه الإصلاحات لا تخدم مصالح بعض الأطراف في التكتل الطبقي السائد،  أمثال البرجوازية البيروقراطية و كل المستفيدين من الرشوة و المحسوبية و من عدم المسائلة القضائية... و هذا ما يجعل، و حتى من المنظور البرجوازي الرأسمالي العقلاني، الإجراءات المتخذة تبقى دون جدوى اقتصاديا في غياب الإصلاحات العميقة للإدارة وللقضاء المغربين.

§     لقد فقدت الدولة المغربية جميع الإمكانيات لنهج سياسة مستقلة، و لو نسبيا، في الميدان الاقتصادي، لأن تحركاتها و قراراتها الأساسية مرهونة بموافقة الممولين الخارجيين (المؤسسات المالية و الدول الدائنة)، و يكفي أن الدولة تخصص حوالي ثلث من نفقاتها لسد الديون الخارجية و الداخلية. و تبقى القروض الجديدة من أهم موارد ميزانياتها.
إن إغراق الدول المتخلفة في مستنقع المديونية، أصبح اليوم أحد الأسلحة التي تستعملها الإمبريالية في تقوية قبضتها على شعوب العالم و التحكم في مصيرها السياسي، و نهب خيراتها.
  إن مواجهة نفقات الصحراء، و التبذير المفرط، و الاختلاسات التي يشجعها الإفلات من العقاب، و تمويل صناديق موازية للميزانية العامة خارجة عن مراقبة الحكومة و البرلمان، بغض النظر عن محدودية هذه المراقبة،... إن هذا كله يدفع في اتجاه تعميق التبعية المالية و ما ينتج عنها من قبول لشروط تضرب في الصميم المصالح الوطنية بشكل عام، و حقوق المواطنين في التعليم، و الصحة و السكن و الشغل... بصفة خاصة.

بعض المعطيات الاستدلالية ( 2004 – 2006)
 - في إطار ترتيب المقاولات حسب الأهمية، نلاحظ أن القطاعات ثلاثة: النسيج (cuir et habillement)، والبناء-الأشغال العمومية (BTP et matériaux de  construction)، والزراعة الغذائية (agro-alimentaire) تحتل المقدمة.
-         75% من الشركات (وليس المقاولات) توجد بالدار البيضاء.
-         يعتبر قطاع النسيج أول مشغل: أكثر من  000 190 أجير.
-         تشغل الصناعة-الفلاحية ((agro-industrie حوالي  000 103 أجير.
-         بعد شركة التبغ التي تم خوصصتها أخيرا، تحتل شركات ا.ش.ا ONA)) المراتب الأربعة الموالية (الصناعة-الزراعية).
-         تحتل "مناجام "(MANAGEM) التابعة لا.ش.ا (امنيوم شمل إفريقيا ONA) الرتبة الثانية بعد المكتب الشريف للفوسفاط (القطاع المعدني).
-         نجد في قطاع البناء و الأشغال العمومية-البنية التحتية (BTP-infrastructure)  000 53 مقاولة غير مهيكلة(informelles)، و1500 منظمة، و يعني هذا أن هناك عشرات الآلاف من العمال المحرومين من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتأمين على حوادث الشغل...
-         تمثل الصناعة المعدنية(indu-metal.) 2% فقط من الناتج الداخلي الخام  (PIB)، وتحتل شركة "صوناصيد"(SONASID)   التابعة لا.ش.ا  (ONA) المركز الأول.
-         هناك 19 مؤسسة بنكية: 4 عمومية، و15 خاصة. وتلعب مجموعة ا.ش.ا  (ONA) بواسطة التجاري وفاء بنك (Attijari Wafa Bank)، و الرأسمال الأجنبي بواسطة البنك المغربي للتجارة والصناعة  (BMCI)و بواسطة مصرف المغرب (CREDIT DU MAROC ) و الشركة العامة المغربية للأبناك (SGMB) وعائلة عثمان بنجلون بواسطة البنك المغربي للتجارة الخارجية(BMCE) الدور الأساسي في السوق المالي المغربي.
-         عدد الشغالين المسجلين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يقارب اليوم      000  151 1 فرد ( 1150832 سنة 2001).
-         عدد المقاولات المنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يقارب 500 96 وحدة (421 96 سنة 2001). إن العددين المذكورين يبقيان ضعيفين مقارنة بالعدد الإجمالي للمأجورين ( خارج الوظيفة العمومية)، و بعدد المقاولات المعنية قانونيا.
-         يحتل المغرب الرتبة 125 عالميا حسب مؤشر التنمية الاجتماعية الذي يعتمد عناصر مثل التعليم و الصحة و السكن...(2004)، وراء أغلبية الدول العربية مثل تونس والجزائر وليبيا...
-         يحتل المغرب الرتبة 77 (من اصل 90 دولة) فيما يخص استقرار الشغل و الأمن الاقتصادي للمواطنين وراء تونس(49) والجزائر(59) ومصر(60) و هذا حسب معطيات المنظمة العالمية للشغل (OIT) لسنة 2004.
-         في إطار العمل من أجل الشفافية و محاربة الرشوة، نشرت جمعية "ترانسبرانسي"(Transparency) تقريرها لسنة 2004، و نلاحظ فيه تدهور وضعية المغرب، حيث انتقل من الرتبة 35 إلى الرتبة 75 في أقل من 5 سنوات. وهذا يعني أن الدولة المغربية تقاعست في عملية محاربة ظاهرة الرشوة.  و الواقع، إن الرشوة والنهب والاختلاس و المحسوبية... تشكل إحدى بنيان الدولة المغربية المخزنية، و إزالة هذه الظواهر مرهونة بتغيير طبيعة الدولة.
         
2- الانعكاسات الاجتماعية:

أ- على مستوى التكتل الطبقي السائد:
  لقد استفادت بعض الفئات و بعض الشرائح من التكتل الطبقي السائد أكثر من غيرها في العقدين الأخيرين؛ و تتكون هده الفئات من المجموعات المرتبطة بالأنشطة (العقارية بالمدن مثلا) المضاربتية، و ببعض القطاعات كالصيد البحري المحتكر من طرف مجموعة قليلة العدد أغلبها من الأطر العسكرية التي منحها الحسن الثاني امتيازات و رخص عديدة، و التصدير(منتجات الفلاحة و النسيج)، و التوزيع ( ظهور متاجر كبيرة المساحة)، و القطاع البنكي... ويمكن تسجيل التدخل الأخطبوطي لمجموعة ا.ش.ا(ONA) في جميع القطاعات الحيوية (الصناعي، التجاري، الفلاحي،  ألخدماتي، المالي، المعدني)، والمعروف أن العائلة الملكية هي أهم مساهم في ا.ش.ا.
  كما تقوت اللوبيات المرتبطة بالمخدرات و بنهب المال العام و الاستغلال الفاحش للممتلكات العمومية. يجب الإشارة كذالك إلى مجموعة من الأطر العسكرية وكبار موظفي الدولة و بعض الانتهازيين الذين استغلوا حرب الصحراء للاغتناء. و قد عزز هؤلاء الفئات الأكثر رجعية في الحكم.
  إن مصالح البرجوازية الرأسمالية المرتبطة بالقطاع الصناعي لم تعرف أي تطور يذكر رغم كل التسهيلات التي منحت لها، و هذا راجع لتدهور القدرة الشرائية للجماهير الشعبية من جهة، و لضعف قدرة المقاولة المغربية لمواجهة التنافس العالمي على مستوى السوق الخارجية من جهة أخرى. إن الرأسمال المنتج المغربي يعيش ظروفا صعبة، و هذا ما يقوي هيمنة الرأسمال المضاربتي، و المافياوي، و الاقتصاد ألريعي، و هذا التطور الاقتصادي - الاجتماعي سيزيد من قوة الفئات و الشرائح الأكثر رجعية داخل التكتل الطبقي السائد، و بالتالي سيقوي الجبهة الرافضة لكل انفتاح ديمقراطي حقيقي، و لو بقوانين و قيم الرأسمالية.

 ب- على  مستوى الجماهير الشعبية
  إن سياسة/برنامج التقويم الهيكلي، وما صاحبها من الخوصصة والتراجعات في مختلف الميادين: ضرب مجانية التعليم والتطبيب، تخفيض وثيرة التوظيف ( من أكثر من 40.000 ألف في سنة 1983، إلى حوالي 11.000 سنة 2002 ، وإلى7000  في سنة 2005)، تجميد الأجور في عدد من القطاعات، تفويت قطاعات خدماتية أساسية للرأسمال الأجنبي (الماء والكهرباء و النقل)، تخفيض النفقات ذات البعد الاجتماعي، و إذا أضفنا إلى هذا سكوت الدولة على تجاوزات الباطرونا (تسريح آلاف العمال دون مراعاة القانون، تخفيض ساعات العمل)، وسكوتها كذلك على ما تقوم به عدد من الأوساط وفي مقدمتهم العديد من موظفي الدولة، وامتداداتها داخل الجماهير الشعبية (الشيوخ والمقدمين) من نهب وسرقة، وإشاعة الرشوة، والمحسوبية الخ إن هذا كله أدى إلى مزيد من البلترة والتفقير لأوسع الجماهير الشعبية، بما فيها فئات وشرائح وسطى.
  إن سياسة/برنامج التقويم الهيكلي أدت إلى المزيد من تراكم الثروة في قطب، وإلى المزيد من التفقير الجماعي في القطب الأخر.
  ففي الوقت الذي يبقى فيه أكثر من نصف المغاربة تحت رحمة الأمية، وتعيش البلاد خصصا مهولا في عدد الأطباء والممرضين، والمهندسين والتقنيين، والبيطريين و مساعدين اجتماعيين ...نجد جيوشا من حملة الشهادات تعاني من البطالة، و هذا  ما يعني أن الاقتصاد المغربي ليس بخير، وأن الدولة وكل من يدور في فلكها في واد، والشعب المغربي في واد آخر.
  إن سياسة التفقير هذه أدت كذلك إلى انتشار آفات اجتماعية (الاستغلال الجنسي، التسول، الاغتصاب، السلب، المخدرات، السرقة، الجريمة المنظمة والغير المنظمة، انتشارا لفكر ألظلامي والغيبي المعادي للقيم وللحقوق الإنسانية ).
إن أشباه البروليتاريا، والبروليتاريا المشردة، أو الرثة، تشكل عدديا، أهم طبقـات المجتمع عددا
- يتبع-

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire