jeudi 18 septembre 2014

التشكيلة الاجتماعية...الحلقة (جديدة) السادسة

 رابعا : المغرب بين 1981-1971

-1 احتداد الصراع داخل صفوف الحاكمين:
  إن الاحتلال والنهب الذي تعرضت لها الأراضي الفلاحية المسترجعة من جهة، والموجودة في ملكية الفلاحين من جهة أخرى، والتسابق نحو الاستيلاء على الأملاك العقارية العمومية في المدار الحضري من أجل المضاربة، والتنافس على الامتيازات في كثير من القطاعات في إطار اقتصاد الريع كل هذا أدى إلى بروز تناقضات عدائية داخل الطغمة الحاكمة.
لقد انتشر الفساد والرشوة، والمحسوبية بشكل خطير، حيث كانت المنافسة غير متكافئة بين القصر و أنصاره من جهة، والمافيات الأخرى من جهة ثانية. حاول من خلالها الطرف الأول ممارسة الاحتكار في مختلف المجلات الحيوية.        
    ساهمت هذه الوضعية في انفجار التناقضات الداخلية للتكتل الطبقي السائد من خلال محاولتي الانقلاب: 10 يوليو 1971 و 16 غشت 1972 نتج عنها تصفية أغلبية الأطر العسكرية.

  2-الشعب في مواجهة الحكم:
    تجلت مقاومة الشعب المغربي لسياسة الحكم (سياسة النهب، والتفقير، والفساد والقمع والاضطهاد) في الأحداث الآتية:
-      عدم مشاركة الكتلة الوطنية في استفتاء صيف 70 حول الدستور الممنوح الجديد، ومقاطعته من طرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تحت ضغط "اليسار الجديد "، والتيارات الثورية الاتحادية.
-  مقاطعة الكتلة الوطنية للانتخابات التي جاءت بعد الاستفتاء.
-         الإضرابات والمظاهرات المستمرة للطلبة والتلاميذ (72-71-70).
- الإضرابات العمالية، وفي مقدمتها إضراب الفوسفاطيين الذي دام أكثر من شهر( 1971).
- مقاطعة الكتلة الوطنية للانتخابات الجديدة (72) بعد أن اضطر الحكم إلى حل برلمان 1970 المزور.
- اتساع حركة النضال الشبيبي بقيادة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية.
  تقوى هذا الزخم النضالي بانطلاق الحركة المسلحة بقيادة الأجنحة الثورية الاتحادية في مارس 1973.
    كانت هذه النضالات تعبر في العمق عن استياء الشعب المغربي بمختلف طبقاته من سياسة الحكم، كما خلفت هذه النضالات ظروفا ثورية لم ينتج عنها تغيير في موازن القوة لصالح الشعب، وهدا راجع بالأساس إلى غياب الأدوات الثورية للجماهير الشعبية.

-3 رد الحكم:       
لقد كان رد الفعل للحكم متنوع الأوجه.

أ- القمع والإرهاب :

- قمع العسكريين :
  إثر محاولتي الانقلاب العسكري، لجأ الحكم إلى الانتقام الأعمى : إعدام العديد من الضباط في غياب الشروط القانونية لمحاكمة عادلة، و شمل الإعدام حتى من لم يشارك في الحركتين كالضابط المنوزي، كما زج بالعشرات من العسكريين بمختلف الرتب في السجون وخصوصا في المعتقل السري تالرهيب بتزممارت حيث قضى العديد منهم أكثر من 17 سنة في ظروف جهنمية بعيدا عن البشر والنور الخ توفي منهم حوالي 30 فرد، وشمل الانتقام الأعمى عائلات ( من أطفال، شيوخ، نساء... ) العديد من الضحايا.
- قمع الأجنحة الراديكالية الاتحادية : 
  لقد نهج الحكم، ومنذ بداية الستينات، سياسة الاعتقال، والاختطاف، والتصفية الجسدية تجاه التيارات الراديكالية الاتحادية: اغتيال شيخ العرب في صيف  1964، اختطاف المهدي بن بركة في 65، اختطاف أحمد بن جلون وسعيد بونعيلات من إسبانيا، واختطاف الحسين المنوزي من تونس وإعدام العشرات من المناضلين بعد أحداث مارس 1973 وضمنهم دهكون، ورفاق الملياني
كما نهج الحكم سياسة الانتقام العشوائي ذهب ضحيته عائلات بجميع أفرادها، وعانت منها قبائل برمتها.
  إن ما فعله الحكم بالآلاف من المناضلين الاتحاديين، والقمع الأعمى الذي تسلط على مختلف الفئات الشعبية، وعلى قبائل الأطلس (مثل منطقة خنيفرة) وقبائل السفوح الشرقية (مثل مناطق الراشيدية و فجيج) ابتداء من 1963 يعد جريمة ضد الإنسانية لا تقبل التقادم و لا الإفلات من العقاب. إن المواقف المخزية لقيادة الاتحاد الاشتراكي مند 1975 و مناورات المخزن عبر هيئات ذيلية لن تنسينا هده الجرائم.
  إن التمردات التي عرفها المغرب و التعاطف الذي حظيت به من طرف فئات واسعة من الجماهير الشعبية، تعبر في العمق عن خيبة الأمل لدى الشعب المغربي لما جاء به استقلال 1956. فكيفما كانت الملاحظات حول الأساليب المستعملة، والاختيارات الاستراتيجية المتبعة، وحول البديل المجتمعي الذي طرحته التيارات الثورية الاتحادية، فإن تلك التمردات ومختلف النضالات التي واكبتها تبقى مشروعة تاريخيا. لقد كانت تشكل مظهرا من مظاهر الصراع الطبقي.
- قمع الحركة الماركسية-اللينينية المغريبة :
  لم تمر بعد سنتين على نشوء الحركة الماركسية- اللينينية المغربية، حتى اتسعت رقعة نفوذها وتأثيرها (التواجد في مختلف المناطق، قيادة نضالات الشباب،  والتواجد النسبي في الأوساط العمالية والبرجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا). كانت شعاراتها وممارستها تستهدف أسس النظام، وهذا ما دفع الحكم إلى نهج سياسة القمع تجاهها منذ يناير 1972، ذهب ضحيتها المئات من المناضلين، واستشهد العديد أمثال عبد اللطيف زروال، وسعيدة المنبهي ورحال جبهة
  وقد عرفت هذه الفترة محاكمات تاريخية ونوعية من حيث العدد ومن حيث موقف المناضلين: محاكمة صيف 1973، ومحاكمة 1977، والتي عبر فيها الكثير من المناضلين (خصوصا مناضلي "إلى الأمام") عن هويتهم الماركسية-اللينينية وهدفهم الاستراتيجي: بناء جمهورية المجالس الشعبية على طريق مجتمع بدون طبقات.
  فمن شهر يناير 1972 إلى شهر نونبر1985 يصعب إيجاد شهر واحد بدون اعتقال أو اختطاف مناضلي الحركة الماركسية-اللينينية والمناضلين الاتحاديين المغضوب عليهم من طرف الحكم والمكتب السياسي في آن واحد.
  لقد فهم الحكم مبكرا الخطر الذي يشكله الطرح الماركسي-اللينيني: تحطيم بنيان النظام الملكي وبناء جمهورية الكادحين على طريق تشييد مجتمع بدون طبقات، اعتمادا في ذلك على الجماهير الواعية و المنظمة والمسلحة بالفكر الثوري: الفكر الماركسي- اللينيني و مساهمات ماو اتسيتنغ. تشكل موضوعيا، الحركة الماركسية- اللنينية المغربية، المعبر ألجنيني عن مطامح الطبقة العاملة. وقد وجد الحكم لدى بعض القادة السياسيين داخل المعارضة الرسمية ( باسم " الوحدة الترابية"، و"المقدسات"...) الدعم السياسي المطلوب. كما حظي الحكم بدعم فكري رجعي (انظر كتابات عبد السلام ياسين في تلك المرحلة التي كانت تطرح: الإسلام أو الطوفان).
  تكمن قوة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية بكونها نبعت من عمق المجتمع المغربي، و تبنت هموم الجماهير الكادحة، و حافظت سياسيا و تنظيميا وماليا على استقلاليتها. كانت وضعية الشعب المغربي المتسمة بالاستغلال و الفقر والتهميش و انعدام تكافؤ الفرصة، و القمع الذي يواجه به الحكم مختلف الحركات المطلبية والاحتجاجية...هي السبب الرئيسي في بروز الحركة الماركسية - اللينينية المغربية. لقد تدهورت هذه الوضعية مع مرور الزمن، لذالك صمدت واستمرت هذه الحركة فكريا وسياسيا رغم الانتكاسات التنظيمية التي تعرفها تحت ضربات الحكم. هل تحسنت اليوم وضعية الجماهير الشعبية ( على مستويات الشغل والصحة و السكن و التعليم و مختلف الخدمات الاجتماعية...)؟ وهل وقع تغيير حقيقي في الدستور كأسمى قانون في البلاد؟ وهل وقع تحول مهم في تعامل الحاكمين مع مختلف الحركات المطلبية والاحتجاجية الشعبية؟ هل انفتح "الإعلام العمومي" على المعارضين والفاعلين الجذريين؟...
إن الأوضاع لم تتغير لصالح الشعب، بل ازدادت تدهورا بالنسبة للكادحين وللمعطلين ولمختلف المحرومين والمهمشين. فلماذا يريدون منا أن نغير قناعاتنا الثورية؟  لم يكن هدفنا هو تحسين وضعيتنا كأفراد أو أن ينفتح الحكم على زمرة من المثقفين الوصوليين أو أن"يتبرع" بالفتات على فئة اجتماعية معينة. لقد انخرطنا، و عن وعي، في مشروع مجتمعي بديل، و سنبقى وفيين لالتزاماتنا و لكل شهداء الشعب المغربي.
  - الإرهاب العام :
  فزيادة على ما ذكرناه، فإن الحكم لجأ كذلك إلى خلق جو من الإرهاب والخوف في مختلف الأوساط، وفي مختلف المناطق: لم يعد لمختلف أجهزة الحكم ولامتداداتها في مختلف المناطق، قوانين تضبط ممارساتها. فقد عمت التجاوزات والشطط في استعمال السلطة، مختلف أوجه الحياة العامة والخاصة، ذهب ضحيتها حتى أناس مقربين من القصر: اعتقال وزراء باسم محاربة الرشوة والفساد (!?!!) اختطاف الأخوة بوريكات، الزج بزوجة أفقير وأطفالها في غياهب المعتقلات السرية في ظروف لا إنسانية إرسال طرود ملغومة لشخصيات وطنية (عمر بن جلون، الدويري، واليازغي).

بـ- سياسة الاحتـواء :
  فبموازاة مع سياسة القمع والإرهاب (سياسة العصا) نهج الحكم سياسة الإغراء والاحتواء (سياسة الجزر ). كان الحكم يهدف من هذه السياسة تدجين قيادات الأحزاب المكونة للكتلة الوطنية الإصلاحية، وحياد الراديكالية منها، ولبلوغ أهدافه، لجأ الحكم إلى عدة أساليب واتخذ عدة إجراءات، نذكر منها:
- محاولة إقناع المجتمع بشكل عام، وقادات الأحزاب السياسية الوطنية بشكل خاص، بأن متزعمي محاولتي الانقلاب لا يستهدفون شخص الملك الحسن الثاني أو النظام الملكي، بل يريدون فرض نظام بربري (أمازيغي) يقطع الصلة مع الإسلام والعروبة، خصوصا وأن كل الضبـاط المتورطين أمازيغيين. نجد تفسيـر هذا المعطى في كون أبنـاء الملاكيـن العقارييـن الشبـه الإقطاعيين كانوا قد استفـادوا من التعليـم في ثانـويـة طارق بن زيـاد(Ex. Collège Berbere) بمدينة ازرو، والتحقوا فيما بعد بالأكاديمية العسكرية بمكناس، وانخرطوا في الجيش الفرنسي الاستعماري، وخاضوا معه الحروب ضد الشعوب المناهضة للاستعمار (الفيتنامي بالخصوص إلى حدود هزيمتهم بـ ديان بيان فو 1954) . وفي إطار التكالب على خيرات البلاد وسياسة الاحتكار التي يسلكها طرف، التجأ الطرف (أو الأطراف؟) الآخر إلى أسلوب التآمر.
- إلقاء القبض على بعض الوزراء بذريعة محاربة الرشوة، والفساد الإداري
- اتخاذ قرار إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية بإقليم الغرب (القنيطرة، سيدي يحيى الغرب، وسيدي سليمان).
- إرسال بعض الوحدات إلى الجولان.
- الإعلان عن سياسة المغربة الاقتصادية.
-  تفويت جزء من الأراضي المسترجعة إلى بعض الفلاحين الصغار، وتنظيم هؤلاء في إطار تعاونيات فلاحية.
- إشعال نار النعرة الشوفينية حول الصحراء.
- إطلاق ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي والسلم الاجتماعي.
  لقد استجابت قيادة الأحزاب الوطنية لنداء الحسن الثاني، وانخرطت في تنفيذ هذه الإجراءات وأدارت ظهرها للجماهير، وتناست مطامح الشعب التواق إلى التحرر من قبضة الحكم الاستبدادي الممثل الأمين لمصالح الملاكين العقاريين والكمبرادور والبرجوازية البيروقراطية وأسياده الإمبرياليين والصهاينة.

-4 التحولات الاقتصادية :       
يمكن تلخيص هذه التحولات في النقط الآتية:

- الميدان الفلاحي :
- مواصلة سياسة السدود مع ما يواكبها من الاستيلاء على أراضي جديدة، وتشريد أهلها، وتقوية نفوذ البرجوازية الزراعية.
- توزيع جزء من أراضي الدولة المسترجعة على بعض الفلاحين بهدف تقوية الفئة المتوسطة من الفلاحين للتخفيف من حدة الصراع الطبقي في البادية.
- خلق شركة التنمية الفلاحية (SODEA) وشركة الاستثمارات الفلاحية (SOGETA) من أجل تدبير أراضي الدولة الفلاحية.
- مواصلة تشجيع الفلاحة التصديرية على حساب الحاجيات المحلية.
- سن قانون الاستثمارالفلاحي الذي يخدم بالأساس مصالح الملاكين الكبار(القروض الامتيازية، الإعفاء الضريبي...).

   - الميدان الصناعي :
  إن أكبر إجراء اقتصادي قامت به الدولة خلال السبعينات هواتخاذ قرار "مغربة المقاولة" (وليس مغربة الاقتصاد)، حيث أصبح هذا القرار (1973) يعطي أكثر من 50% من رأسمال المقاولة للرأسمال المحلي، و يخصص منصب المدير العام (أو المسير) للمغاربة.
فإذا كان هذا الإجراء لم يغير شيئا في عمق العلاقات التبعية للرأسمالية العالمية التي تميز اقتصاد المغرب منذ عقود، فإنه مع ذلك فتح مجالا لا بأس به للبرجوازية المحلية (التجارية، الصناعية، الفلاحية والبيروقراطية) للاستحواذ على المئات من المقاولات الصغرى والمتوسطة الأجنبية في مختلف الميادين.
  وقد ساعدت عائدات مبيعات الفوسفاط (ارتفاع صاروخي في أثمان الفوسفاط) الحكم على تطوير بعض القطاعات التحويلية بالأساس، كالصناعة الكيماوية، والصناعة الفلاحية، وقطاع النسيج الخ

- القطاع السياحي :
مواصلة سياسة التشجيع الذي يحظى به هذا القطاع كإحدى الأولويات، والذي يشكل موردا مهما للعملة الصعبة بجانب ترويج المخدرات و التجارة الجنسية.

- قطاع الصيد البحري :
  لقد بدأ هذا القطاع يشكل مصدرا مهما للاغتناء ولجني أرباح خيالية في إطار الاستغلال العصري.
  لقد كان جزء مهم من سكان السواحل يعيشون من الصيد البحري في إطار الاستغلال التقليدي: قوارب عائلية أو فردية تعتمد على قوة عمل محدودة، ووسائل صيد عتيقة، وتشكل غالبية أصحاب القوارب شريحة من البرجوزاية الصغيرة، كما يكون العاملون المؤقتون والمياومون شريحة من أشباه البروايتاريا.
  وقد تحول استغلال خيرات البحر من نمط إنتاج متخلف إلى نمط إنتاج رأسمالي تستعمل فيها بواخر(معامل متحركة) واليد العاملة المتخصصة، ويتم تصديرأهم وأجود منتجاتها إلى السوق الخارجية.
  وهكذا أصبحت المياه المغربية فريسة للتكالب الرأسمالي العالمي والمحلي، أدت إلى تدهور وضعية الفئات الوطنية التقليدية العاجزة عن منافسة الوحدات الرأسمالية الكبيرة.

- القطاع المالي :
   لقد ازدهر نسبيا خلال هذه الفترة القطاع البنكي بالأساس، نظرا لتوسيع مجال التعامل البنكي: الإيداع، التحويلات الخارجية، طلبات القروض، تبييض الأموال المشبوهة الخ
لم يرق هذا الازدهار إلى مستوى خلق سوق مالي فعال، الذي يتطلب الشفافية والتداول المهم للقيم والسندات (أسهم، سندات).
إن دور بورصة القيـم بالدار البيضاء بقي إلى يومنا هذا هامشيا وغير فعـال في الاقتصاد المغربي.

-5 موقف الإمبريالية من الوضع في المغرب :     
  لقد تفهمت الإمبريالية بعض الإجراءات التي اتخذها الحكم (ولا يستبعد أن تكون قد ساهمت في بلورتها). إن إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية و"مغربة المقاولة" التي مست بالأساس الرأسمال الصغير و المتوسط الفرنسي بالمغرب، لم يمس علاقات التبعية التي تربط المغرب بفرنسا وبالولايات المتحدة الأمريكية. إن الاتفاقات والمعاهدات العلنية والسرية قد حولت المغرب إلى دركي في القارة الافريقية يواجه الحركات الوطنية،  ونضالات الشعوب، والمد الشيوعي، بإيعاز من الإمبريالية العالمية ، و بتمويل خليجي.
  لقد تدخل مرارا في الزايير (كونغو كنشسا حاليا)، وفي إفريقيا الوسطى، وغينيا الخ لقمع الثورات المحلية المناهضة للدكتاتوريات (أمثال دكتاتورية موبوتو صديق الحسن الثاني)، كما لعب دورا مخزيا في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني.

-6 التطورات الاجتماعية :      
  يمكن تركيز التطورات الاجتماعية في النقط الآتية:
- مواصلة وتعميق تداخل وترابط مصالح الطبقات السائدة: ملاكي الأراضي الكبار والكمبرادور والبرجوازية البيروقراطية.
- ظهوروتقوية نفوذ فئة طفيلية جديدة تتكون من مدراء ومسيري المؤسسات العمومية (المالية، الفلاحية، الصناعية، المعدنية والسياحية)، والذين غالبا ما كانوا يعينون بظهائر ملكية،  مما جعلهم فوق القانون وخارج المسائلة، ويتصرفون في الملك العمومي كإقطاعيين. لقد سمحت لهم مواقعهم من جمع ثروات خيالية في سنوات قليلة. و قد ساهم هؤلاء بشكل كبير في تبذير ونهب المال العام، خصوصا وأنهم يستفيدون من سياسة الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية و السياسية.
- مواصلة سياسة تدعيم فئات وسطية مرتبطة بالحكم من أجل تخفيف وتمويه التناقض بين الطبقات السائدة من جهة و عموم الكادحين و المعدمين من جهة أخرى: توزيع بعض الأراضي على الفلاحين, خلق ٌ المجلس الوطني لقدماء المقاومة و جيش التحرير و منحهم عدة امتيازات. كما منحت مختلف الامتيازات لأشخاص نافذين في مناطقهم (رخص استغلال مقالع الرمال، رخص النقل، احتكار بيع بعض المواد الأساسية في البادية كالسكر، الدقيق أو مواد أخرى كالتبغ و الخمور...). كما زاد الحكم من عدد المقدمين و الشيوخ و من مختلف عناصر أجهزة الداخلية و الجيش...
   و رغم أن وضعية العديد من هؤلاء تجعلهم موضوعيا ضمن البرجوازية الصغيرة و أشباه البروليتاريا، إلا أن ارتباطهم المباشر بالدولة، و الدور المخزي الذي يقومون به لصالحها، فإنهم يشكلون جزءا لا يستهان به من القاعدة الاجتماعية التي يعتمد عليها الحكم عند الحاجة.
- إن سياسة النهب و الاحتكار و الاضطهاد قد أزمت وضعية شرائح واسعة من الجماهير الشعبية، و هذا ما أدى إلى تفاقم ظاهرة الهجرة من البادية إلى المدينة، و من البادية و المدينة إلى الخارج، و هكذا تقوت سياسة "تصدير اللحوم البشرية" بعد تصدير أهم و أجود المنتوجات الوطنية، و المواد الأولية في إطار  "التبادل الغير المتكافئ ".
- إن هذه السياسة قد ضاعفت من الجيش الاحتياطي لليد العاملة في أحزمة البؤس، ووسعت من الاقتصاد الغير المهيكل، نتج عنه عدم استقرار العمل. كما أدت هذه الوضعية إلى تراجع، و لو بشكل نسبي، فعالية الكفاح العمالي، مما جعل البرجوازية الصغيرة (المرتبطة بالأساس بالقطاع العمومي) تخوض وحدها نضالات مهمة في آخر السبعينات.
- يتبع -

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire