lundi 8 septembre 2014

التشكيلة الاجتماعية و الصراع الطبقي بالمغرب - الحلقة (جديدة) الثالثة

   
 التشكيلة الاجتماعية و الصراع الطبقي بالمغرب" - حلقة جديدة" 
 االحلقة الثالثة

ثالثا: فئة التجار- الملاكون

   مع الانفتاح على السوق الرأسمالية، وتطور العلاقات مع السوق الخارجي، ظهرت إمكانيات تسويق في المدن الداخلية، وتصدير مواد فلاحية للخارج (الحبوب، الصوف). فقد أقدم العديد من التجار على امتلاك أراضي خصبة، وهكذا ظهرت النواة الأولى لبرجوازية زراعية- عقارية. ويعطي ادريس بن علي بعض الأمثلة بمدينة فاس (المجلة المغربية للقانون والسياسية والاقتصاد 1980).

تقديرات حول ملكية بعض التجار في آخر القرن التاسع عشر
 ( منطقة فاس)
الاسم
عدد الهكتارات
التازي
1 130
بناني
1 557
بنيس
894
بن شقرون
868
لحلو
801
برادة
668
بن سليمان
256
بن كيران
257
بن يخلف
145
بن جلون
145
الكوهن
110
جسوس
123
بنونة
58

كما ذكرت في دراسات أخرى أسماء الخمليشي وبوستة وبن عزوبمكناس.

رابعا: البرجوازية الحضرية

كانت تتكون بالأساس من التجار الكبار ومن الفئة العليا من الصناع والحرفيين.

-1 البرجوازية الصناعية:

 -كانت الصناعة ترتكز بالأساس على العمل اليدوي في غياب أي ضمان اجتماعي وتقنين لمدة العمل وللأجرة والسن
 -كانت الصناعة تعتمد بالأساس على المواد الخام المحلية (المعادن، الصوف).
 -كان الإنتاج موجه بالأساس للسوق الداخلية.
 -شكلت فاس وتطوان ومراكش أهم المدن الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر.
 -كانت ظروف استغلال اليد العاملة من طرف البرجوازية جد فظيعة بمبرر أن المنتجين يتعلمون "الصنعة".
 -لم تتطور هذه الصناعة التقليدية إلى صناعة عصرية تعتمد وسائل إنتاج حديثة لعاملين أساسيين: تخلف التعليم في المغرب (الذي يبقى تعليما دينيا) حيث لا يساعد على البحث والاكتشاف... و طبيعة المخزن الطفيلية التي تثقل الصناع بضرائب وهدايا لا تساعد على تراكم رأسمالي يؤدي إلى استثمارات جديدة وتوسيع دائرة الإنتاج.
فزيادة على المنتوج الصناعي التقليدي كثياب الكتان، والبلاغي والسروج والأواني النحاسية والحلي والمصوغات من الذهب والفضة والمضمات والزرابي فقد ازدهرت نسبيا، صناعة الذخائر والسلاح الفردي (القنابل، المكاحل، البارود) كما ظهرت صناعة تكرير السكر التي لم تعمر طويلا لانعدام المتخصصين.

-2 البرجوازية التجارية :
   يتم تسويق المنتوج أو البضاعة في المتاجر، وفي الأسواق الأسبوعية بالبوادي وفي الأسواق اليومية بالمدن، وعبر التبادل عن طريق البحر أو القوافل.
إن التجارة عبر القوافل تقلصت لصالح التجارة عبر البحر التي ازدهرت انطلاقا من أوربا.
وقد ظهرت فئة من التجار استفادت من علاقاتها بالمخزن لتحصل على احتكار تسويق بعض المواد. يقول ابراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ" الجزء الثالث ص 505: " ومن أهم الظواهر التي تميزت بها التجارة الداخلية على الأخص احتكار بعض المواد لفترة محددة وغالبا في جهة أو ميناء معين ولصالح شخص بعينه. وهذا الاحتكار ينبغي أن نعتبره نوعا من الإقطاع مثلما كانت تقطع أرض تستغل أومكس يختص به شخص يحظى بعطف المخزن لسبب ما".
فقد أدى مثلا قرار مولاي عبد الرحمن منح احتكار بيع السكر والبن لتجار معينين إلي ارتفاع صاروخي في الأثمنة (1850)، وتعرض الشاي لقرار مشابه. إن احتكار تصدير الجلود من طرف السلطان سبب في معانات فئات محلية: فقد طلب من 3600 دباغ وضع كل مدخراتهم من الجلود تحت تصرف أعوان المخزن.
  يلجأ المخزن في كثير من الأحيان إلى بيع حق التصدير أو حق الاحتكار بالنسبة لمادة أو مواد معينة، بالمزاد، ويقول نفس المؤرخ وفي نفس الكتاب (ص 506) أن الكيف (الحشيش) كان يدر بهذه الطريقة مبلغا كبيرا في كل من طنجة، تطوان، العرائش، القصر الكبير، مكناس، الرباط، الدار البيضاء، الجديدة ومراكش.
ومن نماذج الاحتكارات الداخلية لصالح الخواص:
 -امتياز بيع الثيران و وسقها من العرائش وطنجة وتطوان لمدة سنة واحدة مقابل 8 آلاف مثقال لصالح محمد بن الحاج المسعودي ، والحاج قاسم حصار السلاوى، والحاج بوعبيد الحصيني الرباطى.
- امتياز بيع الغاسول وشرائه ووسقه من كل الموانئ المغربية لمدة 4 أعوام تبتدئ من 1860 لصالح محمد بن المدني بنيس.
- امتياز بيع الجلود و وسقها مقابل 60 ألف مثقال لمدة سنتين ابتداء من 1852 لصالح مصطفى الدكالي والمكي القباج.
لقد أعطى التطور الطبيعي للمجتمع المغربي، زيادة على سياسة المخزن في ميدان التجارة، فئة برجوازية  طورت مصالحها و وسعت من نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن.
إن التحالف ألمخزني-البرجوازي تبلور من خلال الامتيازات والاحتكارات مقابل أموال وخدمات  عدة، وكان السلطان يمنح في كثير من الأحيان حمايته بظواهر "التوقير والاحترام".
وابتداء من 1856 بدأ يعطي لبعض التجار لقب "تاجر السلطان" وهذا ما يمنحهم امتيازات جديدة.

-3 النواة الأولى للبرجوازية الكمبرادورية :
تتكون هذه الفئة من البرجوازيين المرتبطين بالرأسمال الأجنبي، حيث يمر نمو و تطور مصالحهم وتوسع نفوذهم عبر خدمة هذا الرأسمال، فهناك من ينعتهم بسماسرة (أو وسطاء) الخارج.
   ابتداء من نصف القرن التاسع عشر، بدأ أغلب التجار الكبار المغاربة يتحولون تدريجيا إلى وكلاء في تصدير بعض المنتوجات المغربية إلى أوربا واستيراد المواد الأوروبية.
وقد لعبت هذه الفئة دورا مهما في التغلغل الأوروبي، وأصبح هذا النوع من الوسطاء يتمتعون بنظام الحماية، متحررين من الالتزامات تجاه المخزن.
وقد ظهرت فئة من "البرجوازية المالية" التي تعتمد على منح قروض بفوائد تقع بين 50 و 60% في السنوات العادية، وتصل إلى 200% في ظروف الأزمات، كما تعتمد على الشراء ألمضاربتي (المحاصيل الزراعية، الصوف).
و نرد هنا بعض الحالات من المحميين من طرف القوى الأوروبية:

الاسم
نوع النشاط
القوة الحامية
إدريس التازي
تاجر القطن، موقع في منشستر
إنجلترا
أبو بكر التازي
4 محلات تجارية في مانشستر
إنجلترا
لعربي بنيس
مستورد كبير للثوب
فرنسا
محمد بن زايد برادة
زبون كبير لمدينة جنوة بإيطاليا
فرنسا
محمد الشرايبي
مصدر ومستورد كبير
ألمانيا
بناصر لحلو
زبون كبير لمدينتي جنوة وليون
ألمانيا
محمد القباج
تصدير واستيراد مختلف المواد
انجلترا - إيطاليا - ألمانيا

خامسا : البرجوازية الصغيرة

تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين يمتلكون أرضا، أو رأسمالا أو مهارة أو معرفة تسمح لهم بأن يعيشوا دون استغلال الآخرين ودون أن يستغلوا من طرف الآخرين (ويشكل الاستغلال عنصر ثانوي إذا ما حدث).

-1  البرجوازية الصغيرة الحضرية :
  وتتكون بالأساس من الحرفيين والصناع التقليديين الصغار والمتوسطين، والتجار الصغار والمتوسطين، وموظفي الدولة الصغار وأصحاب المقاهي، والحجامة

-2 البرجوازية الصغيرة القروية :
  وتتكون من الفلاحين المتوسطين، ومربي الماشية ومن كل الذين لا يحتاجون إلى عمل الآخرين إلا في حالة نادرة، ومن الذين لا يحتاجون إلى البحث عن العمل من أجل العيش. يصعب تحديد أهمية هذه الشريحة نظرا لسيادة الملكية الجماعية للأرض.


سادسا : أشباه البروليتاريا (أو أشباه العمال)

  تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين لا يملكون (أو يملكون بشكل غير كافي) ما يحميهم من الاستغلال، حيث يضطرون إلى بيع قوة عملهم(عينيا أو نقديا) للعيش.

-1 أشباه البروليتاريا الحضرية :
  وتتكون هذه الطبقة من فئات عريضة كالحمالة، والباعة المتجولين، والكرابة، والكسالة، وحراس الليل وخصوصا من آلاف العاملين "كمتعلمين" أو كمياومين في مختلف المقاولات الحرفية والصناعية...

-2 أشباه البروليتاريا في البادية :
  وتتكون من الفلاحين الفقراء (يملكون بعض القطع الصغيرة من الأرض وبعض رؤوس الماشية لا تستجيب لحاجيتهم الأساسية) ومن المواطنين بدون أرض ولا ماشيةكل هؤلاء يلتجئون إلى العمل كخماسة، أو رباعة أو رعاة (سراحة)..


سابعا : البرولتاريا المشردة(lumpen- prolétriat)

   وتتكون هذه الطبقة من المشردين، والسعاية والعاهرات، والمعوقين، وقطاعي الطرق وكل المهمشين في المجتمع. و يبدو أن عدد هؤلاء كان جد قليلا، وبالتالي يصعب الحديث عن طبقة اجتماعية في ذلك العهد. إن ظهور ونمو أحياء الصفيح، وتزايد عدد المهمشين واستفحال الظواهر الاجتماعية الشاذة، قد ارتبط بالاحتلال الأجنبي، ودخول الرأسمالية، والاستيلاء على الأراضي الجماعية، والنمو الديمغرافي
وقد تعمقت هذه الظاهرة بعد 1956.


ثامنا : الطبقة العاملة

  إن مفهوم الطبقة العاملة مرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي، والعامل هو من يضطر إلى بيع قوة عمله لرأسمالي يحتكر وسائل الإنتاج، ولا يمكن الحديث هنا عن الطبقة العاملة خارج العمل المأجور والقار نسبيا في وحدات صناعية (بالأساس) أو فلاحية أو خدماتية عصرية.
نجد من جهة مالك وسائل الإنتاج (الرأسمالي) و من جهة أخرى بائع قوة العمل (العامل)، وتنتج عن هذه الوضعية علاقات إنتاج تتسم بالاستغلال: العامل ينتج، ولا يتقاضى كمقابل عمله إلا أجرة تقل بكثير عن قيمة إنتاجه، والفرق بين قيمة المنتوج (قيمة المبادلة) وأجرة العامل تسمى فائض القيمة.
وبهذا المفهوم يصعب الحديث عن طبقة عاملة قبل دخول الاستعمار.


تاسعا : التناقض الأساسي والصراع الطبقي

  فمن الناحية النظرية، يمكن اعتبار أن نمط الإنتاج السائد هو الذي يحدد التناقض الأساسي في المجتمع. مثلا في إطار سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن التناقض الأساسي يتجلى في التناقض بين العمل والرأسمال، أي بين الطبقة العاملة والبرجوازية الرأسمالية، لكن التناقض الآني الذي يميز بشكل حاد الصراع السياسي في ظروف معينة، يمكن أن يخترق المجتمع بشكل آخر، فمثلا يمكن في إطار مواجهة الخطر الأجنبي، أن نجد أن الصراع يدور بين الطبقات الوطنية بما فيها جزء من البرجوازية التي تتناقض موضوعيا مصالحها مع مصالح الأجنبي، هذا من جهة؛ و من جهة أخرى،  العدو الأجنبي والطبقات أو الفئات المحلية المرتبطة به، وهذا التناقض يسمى التناقض الرئيسي، ويحتم تحالفات سياسية طبقية مرحلية.
  إن التناقض الأساسي يحدد الأهداف البعيدة المدى ولا يتغير إلا بتغيير نمط الإنتاج وبالتالي تغيير أطرافه الطبقية، في الوقت الذي يحدد التناقض الرئيسي الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، ويمكن أن تختلف أطرافه على أطراف التناقض الأساسي (تحالف واسع لمواجهة شريحة فاشية، أو مواجهة خطر أجنبي).
  لم يحدد إلى حد الآن الباحثون نوعية نمط الإنتاج السائد في المغرب عشية الغزو الاستعماري، ومن هنا يمكن التركيز على التناقض بين الطبقات الشعبية (أو الوطنية؟) المكونة من البرجوازية الصغيرة بمختلف فئاتها وشرائحها، وأشباه البروليتاريا، وفئة الصناع والتجار الكبار (برجوازية وطنية ؟) المتضررين من سياسات المخزن والاحتكاريين، والمحميين والتغلغل الأجنبي، هذا من جهة، والمخزن بكل مؤسساته وامتداداته داخل البادية، و الاستعمار (الإمبريالية؟) الغربي والفئات المحلية المرتبطة به (الكمبرادور؟) من جهة ثانية.


 

   إن تاريخ المغرب خلال القرون الأخيرة هو تاريخ الصراعات بين القبائل حول أراضي الرعي و حول الماء بالأساس، إلا أن هذه الصراعات تبقى ثانوية من ناحية المعانات التي تنتج عنها، لأن الصراعات المستمرة والمدمرة لسكان المغرب، هي الصراعات بين السكان المدافعين عن كرامتهم وحقوقهم الطبيعية من جهة، والمخزن بمختلف مؤسساته وملاكي الأراضي الكبار من جهة ثانية.
  إن ما يسمى بالسيبة، هو في الواقع مقاومة الفلاحين ومربي الماشية المنظمين في إطار القبيلة، لسياسات المخزن التي أغرقتهم في مستنقعات الكلف والضرائب الدينية وغير الدينية، وسياسة الاستيلاء على الأراضي الجماعية، وسياسة الاستبداد التي يمارسها العمال والبشوات والقواد المحليين
  إن سكان المدن، خصوصا سكان فاس، عاصمة المغرب في أواخر القرن التاسع عشر، قد دخلوا في عدة صراعات ضد المخزن دفاعا عن كرامتهم، ومنددين بكثرة الضرائب، والهدايا المفروضة عليهم لصالح السلطان، وضد سياسة الاحتكار التجاري الذي يمنحه السلطان للبعض.
ومن أهم الانتفاضات الحضرية انتفاضة سكان فاس(1821-1819) بقيادة البرجوازية المحلية ضد العامل محمد الصفار ورموز المخزن، و قدانتقل السلطان من مدينة مكناس على رأس جيشه نحو فاس لإخماد الانتفاضة، وهاجمت قبائل المنطقة مؤخرة جيشه، وقد أمر السلطان "بنهب بيوت البربر" (المغرب عبر التاريخ لابراهيم حركات ص 142 ).
  وخلال حملة قام بها السلطان بين الرباط ومراكش، استولى العبيد على الخيام الملكية وما بها، وعادوا إلى مكناس، واقتدى بهم أهل فاس في الاستهتار بالمخزن، وانتفضوا، وتكونت بالمدينة لجنة ثلاثية انتخبها السكان لإدارة شؤونهم، وقد توجه أحد "الأدباء" محمد بن ادريس الفاسي بقصيدة إلى السلطان مولاي سليمان يستعديه على الأوداية (الذين قادوا الانتفاضة) ويتألم لموقف البربر منه (نفس المرجع ص 143).
كما عرفت فاس انتفاضات في آخر القرن التاسع عشر بقيادة الدباغة (فئة من البرجوازية الصغيرة) احتجاجا بالأساس على الضرائب، واحتكار تجارة تصدير الجلود من طرف السلطان.
  و تتضح من خلال الأمثلة التي سردناها سابقا، أن مناهضة المخزن هي عملية سكان البادية وسكان المدينة في آن واحد، و لا يتميز فيها من يتحدث بالأمازيغية أو العربية.
  وقد تحدث إبراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ - الجزء الثالث، ص 144" عن مشاورات بين "الفاسيين والبربر لبيعة ملك جديد" في 1820، خلافا للسلطان مولاي سليمان الذي التجأ إلى مراكش، ثم رجع لمحاصرة فاس لمدة عشرة شهور.
-يتبع-

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire